في الحلقة الثالثة (الخميس 10 إبريل) تنتقل أولبرايت إلى العراق وجواره فهي ترى أنّ إدارة بوش أخطأت حين تخلّت عن سياسة «الاحتواء» ولجأت إلى «القوّة» والاستخفاف وازدراء القوى الأخرى وعدم الأخذ بنصائح تركيا والعرب التي اقترحت عدم تخريب التوازنات الإقليمية فأقدمت على اجتياح العراق ما «أحال الهيكل الأمني غير المثالي إلى حطام». حتى حين حاول بوش انقاذ الوضع وأبطال الضرر لجأ إلى سياسة «الهبوط بالمظلة على النزاع العربي - الإسرائيلي».
ترى أولبرايت أنه «لاخيارات جيّدة في العراق». فكلّ الطرقات محفوفة بالمخاطر و«السبب أننا لا نملك النفوذ لتحديد النتيجة». فهناك خطر نمو نفوذ «القاعدة» في المناطق السنية، وخطر نمو نفوذ إيران في المناطق الشيعية، وخطر أنْ يتصدّع العراق وتزداد المشكلات ما «يهدد إسرائيل». لذلك تقترح التعاون مع الجيران (دول الجوار) بقصد «التوصل إلى توازن هش». والتوازن الهش يعني برأي أولبرايت «السماح بانقسامه» وتحويل العراق إلى فيديرالية تتضمن ثلاث دويلات في الجنوب والشمال والغرب وترك الوسط (بغداد) عاصمة اتحادية. وتنصح أولبرايت الرئيس المنتخب بعدم اعتماد خيار القوّة مع إيران واللجوء دائما إلى سياسة «الدبلوماسية الإقليمية». وتكشف في هذا السياق معلومات حصلت في عهد كلينتون حين تقدّمت أميركا بمشروع حوار (برنامج تفاهم) مع إيران رفضته طهران، تم عادت القيادة الإيرانية وطرحت مشروع حل مع أميركا في العام 2003 رفضته إدارة بوش. وبرأيها أنّ معاودة الاتصال التي بدأت بين الطرفين في العام 2007 جيّدة حتى لوجاءت متأخرة.
الفرصة إذا لم تغب عن الشاشة كما ترى أولبرايت، هناك إمكانات لعقد تسوية هشة تدعم الاستقرار «في عراق فيديرالي» وتعزف عن «العمل العسكري» في اعتبار أنّ إيران ليست قوّية كفاية وغير قادرة على فرض شروطها كدولة فارسية في منطقة عربية وتركية وتوجد فيها دولة مثل «إسرائيل».
فلسطين والسلام
في الحلقة الرابعة (الجمعة 11 إبريل) تنتقل أولبرايت من العراق والخليج إلى فلسطين و«الشرق الأوسط». وتستطرد في التحدّث عن تعقيدات المشكلة وعدم قدرة إدارة كلينتون في التوصّل إلى حل نهائي للنزاع بسبب خوف «إسرائيل» من السلام؛ لأنها تعتبر أنّ السلام يهدد أمنها ووجودها. وهذه المعضلة التي تبالغ في إثارتها حكومات تل أبيب تساهم دائما في تعطيل أيّ محاولة للتسوية. مع ذلك لا تتردد أولبرايت في اتهام ياسرعرفات بأنه المسئول عن فشل المفاوضات كذلك تحمّل الرئيس حافظ الأسد مسئولية عدم التوصّل إلى توقيع معاهدة سلام بسبب الاختلاف على «نصف ميل بحري».
تنطلق أولبرايت في تعاملها مع المسألة الفلسطينية من قاعدة حرص الولايات المتحدة على أمن «إسرائيل» وضمان تفوّقها على الجيران. وبسبب هذه النقطة الذاتية(الداخلية) تشكلت معضلة في التفاهم مع الطرف العربي الذي يتهم واشنطن بالإنحياز الدائم لسياسة تل أبيب. المشكلة إذا ستبقى من دون حل نهائي، والتوصّل إلى سلام شامل يبدو الآنّ من الأمور الصعبة لذلك تقترح اعتماد تسوية تضمن الاستقرار وتمنع المنطقة من دخول دوامة العنف.
التسوية يمكن عقدها حتى لو كان السلام في الشرق الأوسط «فترة من الهدوء بين حربين». وهذا يتطلب من الرئيس المنتخب ذاك «الخيال الجامح» والتدخل لتطمين مختلف الأطراف في اعتبار أنّ «المتفرجين لا يصنعون التاريخ». التدخل الدائم الذي تنصح به اولبرايت الرئيس المقبل يقوم على فكرة أن التطوّر لا يعمل لمصلحة «إسرائيل»، فهي الآنَ «أقوى من جيرانها بكثير، وتحذر التجربة من أنّ مثل هذه المعادلات يتطوّر». لذلك لابدّ أن يتعامل الرئيس المنتخب مع المسألة انطلاقا من خطوتين متلازمتين: الأولى اعتماد مبادرة السلام العربية المُجمع عليها من دول الجامعة العربية وهي تفضي إلى سلام شامل مقابل انسحاب شامل ومعالجة قضايا القدس واللاجئين. الثانية استئناف المفاوضات بين «إسرائيل» وسورية وهي أسهل «لأنها لا تشمل القدس والعودة» وهي أيضا يمكن أنْ «تدفع إيران جانبا» وسيكون لذلك نتائج مفيدة في لبنان «حيث سيخسر حزب الله سبب وجوده».
بين السلام الشامل (المبادرة العربية) أو التفاوض على المسار السوري تفضّل أولبرايت الخطوة الثانية؛ لأنها أسهل وأقل كلفة وتفضي إلى فوائد كثيرة. وهذه الخطوات الممكنة لاترقى بالتسوية إلى السلام ولكنها تضع سعي الرئيس المنتخب في سياق منطقي وعلى أساس شروط لها علاقة بنتائج المحكمة الدولية (اغتيال رفيق الحريري) وقبول دمشق توقيع اتفاق بمعزل عن الفلسطينيين.
الإسلام والإرهاب
في الحلقة الخامسة (السبت 12 إبريل) تنهي أولبرايت نصائحها للرئيس المقبل بعدم الانجرار نحو تقسيمات وهمية (مع أميركا أو ضدها) أو تقسيم المسلمين إلى «معتدل» و»متطرف» لأنّ عدوّنا (الإرهاب) هو عدو المسلمين أيضا. فالمعركة برأيها «حرب أفكار» ولابدّ من الانتصار فيها وهذا يتطلب ابتكار «حرب العلاقات العامّة» ووضع «إطار عمل للاستقرار في الشرق الأوسط الكبير» والإصرار على التسوية. والأفكار النيّرة حتى تنجح وتنمو وتستقر بحاجة إلى بيئة مستعدة لتقبلها وهذا يتطلب العمل على بناء واقع غير مضطرب ولا يتحكّم به «التعصب العرقي» أو «الحماسة الدينية».
هذه هي خلاصة نصائح أولبرايت للرئيس الأميركي المقبل سواء جاء من «الجمهوري» أو «الديمقراطي». فالإرشادات (المذكّرة) أميركية وليست حزبية وهي تنطلق من فكرة أنّ الرئيس هو صاحب القرار النهائي والختامي في الولايات المتحدة من دون أن تأخذ في الاعتبار مراكز القوى (لوبيات شركات الطاقة والتصنيع الحربي وأسواق المال) ودورها في التحكّم بمصادر الثروة والقوّة وترسيم معايير خاصة لمصالح الدولة العليا.
النصائح في النهاية جيّدة وهي تشكّل خطوات متقدّمة عن تلك السياسة التي اعتمدها بوش في عهده. ولكن الوقائع الميدانية التي تخوّفت منها أولبرايت لاتزال هي الأقوى على الأرض. فالكلام عن تقسيم العراق واعتباره بمثابة إقرار بالأمر الواقع يحتمل الكثير من المخاطر؛ لأنه قد يؤدّي إلى انجرار المحيط الجغرافي (دول الجوار) إلى مواجهات إقليمية لاقتسام النفوذ أو ضمان وحدة بلاد الرافدين. والكلام عن «المسار السوري» ووضعه في إطار موازٍ للمبادرة العربية يكشف عن سياسة خبيثة تريد التلاعب بالتوازنات الإقليمية بهدف خلخلة الحقوق الفلسطينية العادلة وتوريط قوى الممانعة في مواجهات داخلية تعطل إمكانات السلام ولا تحقق الحد الأدنى من التسوية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2048 - الإثنين 14 أبريل 2008م الموافق 07 ربيع الثاني 1429هـ