الدم دم، والحرام حرام، ولا مجال للمفاضلة العنصرية أو القبائلية أو المناطقية أو المذهبية بين الدماء. وكلّ مَنْ يسقط ضحية التدافعات العبثية وغير العبثية، سيترك حرقة في قلوب أهله وذويه، من أيّ طرف كان.
ومن المخزي حقا أنْ تُجرجر الساحة إلى اصطفاف جديد: شهيدكم وشهيدنا، وضحيتكم وضحيتنا، فلا وجود لخاسر أو رابح عندما تسيل الدماء. ومخطئٌ كلّ مَنْ يساهم في هذا الطرح والتأجيج وكأننا قبيلتان متناحرتان، فما يحيط بنا من مأزق طائفي يكفينا ويزيد كثيرا على مقاس بلدنا الصغير.
أكتب ذلك وأكرّره وأبصم عليه، فمهما تكن الخلافات بيننا، فلن نختلف على حرمة الدماء. وسنظلّ نختلف على كثير من الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن يجب ألا يتخطى أحدٌ الخطوط التي وضعها الشرع والقانون... ولا مجال للمزايدات.
مع كل ذلك، مهما تكلّمتَ بتعقل ومسئولية، فإنّ سيل الردود الغاضبة من الطرفين لن يتوقف. وأختار أخفّها لهجة، وأكثرها أدبا، وصل تعليق من «صحفية مبتدئة»؛ لأنه يعكس جوا معاشا في مثل هذه اللحظات. تقول بالحرف: «نعم... الكل يرفض الظلم والاعتداء على أيّ بشر كان، فدم الإنسان أغلى من حرمة الكعبة الشريفة، لكن لماذا الكلّ يُنادي بإحقاق القانون الآنَ وتجريم المجرم وإنزال أقصى العقوبة به، أينَ هذه الأصوات من الشهيد محمّد جمعة والشهيد الشاب محمد جاسم والإسكافي والشيخ علي النجاس وجميع الشهداء الأبرار، هل يا ترى لدمائهم قيمة؟ حتى ولو كنا نعتقد اعتقادا راسخا بتحريم سفك دماء الناس، فالحرمة لا تكون لأناس على حساب أناس آخرين»، انتهى الشاهد.
نعم، نعتقد اعتقادا راسخا بتحريم سفك دماء الناس، ولا مجال للمفاضلة بين الدماء، والبحرين بحاجةٍ إلى تكريس مبدأ عدم المفاضلة بين دماء الطوائف والقبائل والأجناس. وسنجد أنفسنا بين فترةٍ وأخرى أمام امتحاناتٍ عسيرةٍ من هذا القبيل، وعلينا أنْ نثبت بأننا دولة قانون ومؤسسات، لا فرق بين حدث وآخر، ولا بين سرقة وسرقة، وبين جنحة وجنحة، فحرمة دم المسلم على المسلم حرام، وليس بين البحرينيين مَنْ يكفّر مواطنيه الآخرين.
لا نريد الدخول جماعيا في لعبة السيناريوهات والافتراضات، خصوصا مع وجود تناقضات في التصريحات التي نشرتها بعض الصحف، ولكن مع ذلك لا يصح تبرير الخطأ بالخطأ إنْ حدث، والدخول في دوامة العنف والعنف المضاد، ومن بعدها البحث عمن بدأ اللعبة ومن هو الضحية والجلاّد، فتلك دوامةُ لا تنتهي، كما أثبتت الحوادث منذ ديسمبر الماضي على الأقل.
دعونا نفكّر بالخروج، نحن جميعا متورّطون، ولا يصح لأحد أنْ يبرئ نفسه، حكومة ومجتمعا وجمعيات، معارضة وموالاة، في البرلمان وفي الشارع، كلنا معبّأون، وعلينا أن نعترف بشجاعة: «فكلنا عن ضياع القدس مسئول». فالبرلمان الذي «يمثل» الناس، ويعوّلون عليه في حلحلة المشاكل العالقة، أصبح جزءا من المشكلة وعجز أنْ يكون جزءا من الحل، خصوصا مع اللعبة السادية التي شهدناها في الأسابيع الأخيرة بالبرلمان.
نلوم مَنْ؟ ونعاتب مَنْ بعد أنْ انكسرت الجرّة، لكن هل سنتعظ؟ أم سنواصل لعبتنا الجنونية في ممارسة المزيد من السادية وتعذيب الذات؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2047 - الأحد 13 أبريل 2008م الموافق 06 ربيع الثاني 1429هـ