«أرادت الأشجار أن تنصب عليها ملكا وطلبت بإلحاح ذلك، بالتتالي، إلى شجرة الزيتون والتين والعنب. فرفض الجميع، لأن الأولى لم ترد التخلي عن إنتاج الزيت، الثانية عن إنتاج التين، والثالثة عن إنتاج العنب، وفي النهاية توجهت الأشجار إلى نبتة شوكية، فقبلت ولكنها خشيت ألا يكون الاقتراح صادقا، فهددت، في هذه الحالة، بإشعال حريق يقضي على الغابة بأسرها». (التوراة - ترجمة دورم - مكتبة دولا بلياد - المجلد 1 - ص 754 755).
حين تعففت أشجار الزيتون والتين والعنب في أن تترأس الغابة وأن تحفظ البلاد والعباد مما هم عليه اليوم من شؤم وخوف، وحين اكتفت بـ «الصلاة» و«الدعاء» و«الموعظة الحسنة» لم يكن للأشجار الصغيرة إلا أن تبدأ في التغزل بقوة «الشوكة» ووقفتها الممشوقة الثابتة على الصحراء، الشوكة التي تؤذي يد ممسكها قبل ضحيته كانت «البديل» للأشجار المثمرة التي كان يُعتقد أنها المؤهلة لإدارة الغابة. أليست تلك الأشجار شريكة في القتل؟، بلى. ما أجمل أن تكون للناس الشجاعة الكافية لأن ينسحبوا من مواقعهم إن كانوا غير قادرين على إدارتها.
لا تبرير للقتل، ومهما وضع البعض منّا «اللواكن» تلو «اللواكن»، فإن أحدا لن يستطيع أن يجعل من إزهاق الأنفس والعبث بها امرا مبررا. حذرنا بأن ما كان يُعتقد بأنه مجرد شغب أطفال لا اكثر، قد يتطور لما هو أكبر، حذرنا من تسليم رقبة العملية السياسية لمجموعة من الطامحين السياسيين ولمجموعة ممن لم يكونوا يوما من الأيام يبحثون عن حل، بقدر ما كانوا منذ البدء، يبحثون عن تعقيد الملفات أكثر وأكثر.
لم تكن خسارة فقيد البحرين علي جاسم كافية، زادت الحصيلة اليوم لتشمل أحد رجال الأمن، ضعوا في رصيد خساراتكم اليوم اثنين، وتمشوا الهوينا نحو المزيد من الخسارات، فخيار «الشوكة» لا تنتج عنه إلا الخسارات المتتابعة.
لا تحتاج هذه الأرض لاحتفالية حرق كبيرة، فالقليل من النار تكفي وتفي بالغرض. هؤلاء نحن، إراداتنا في صناعة الخسارات والموت والتراجع قوية، ولكم نبدو ضعفاء في الحب والتآخي وصناعة المستقبل. حرب في استملاك الأرض/ الهواء / المطر/ الحقيقة/ الوطن، وصولا للكفر بأي دعوة مفادها أن الأرض بلا قيمة إن لم تكن الأرواح فيها محترمة محرمة، وإن لم تكن السياسة فيها «سياسة»، لا خطب موعظة أسبوعية، ولا حرق إطارات في الشارع.
يقولون ان نية القتل لم تكن حاضرة، لا عند من أزهقوا روح علي جاسم ولا من تآمروا على حرق أصغر، دعاوى الجميع محض هراء لا أكثر، القتل هو القتل، لا مجاز فيه، ولا تبرير له، إلا لمن ينوي الاستمرار فيه.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2046 - السبت 12 أبريل 2008م الموافق 05 ربيع الثاني 1429هـ