شدني ما قالته المحامية جليلة السيد في ندوة الأزمة الدستورية التي عقدت مساء الاربعاء (20 فبراير/ شباط 2008) بمقر جمعية العمل الاسلامي (أمل) بشأن أزمة القيادة على صعيد المعارضة، ومناشدتها الجماهير البحرينية الكف عن الاسراف في خلق رموز غير حقيقية في الساحة البحرينية. وقالت: «نحن نخلق الرمز بسبب أو من دون سبب، ويجب أن ننظر إلى تاريخ الرمز. فلا يصح وضع الناس في موقع الرمز ونجبر أنفسنا على الالتفاف حولهم من دون أن نسألهم ماذا قدموا».
وكذلك المقال الجريء الذي نشرته صحيفة «الوسط» في 9 نوفمبر/ تشرين الأول 2007 للكاتب خالد المطوع تحت عنوان: «رثاء الرموز الكبار في عصر السعيديزم»، إذ تحدث الكاتب بمرارة عن المأزق الكبير الذي تعيشه الساحة السياسية في البحرين بعد غياب القادة الكبار، الأموات منهم والأحياء، وصعود وجوه جديدة في الساحة السياسية لبست لبوس النضال الوطني ورفعت شعارات القادة الرموز بعد أن كانت منزوية بعيدا مستسلمة في زمن البطش، ثم ظهرت في عصر الانفتاح السياسي الذي استقطب الكثير من الناس كمناضلين وكمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الانسان ومؤيدين لمشروع الاصلاح الديمقراطي على رغم علمهم بقصور معالمه ووضوح أهدافه ومعانيه، حتى اعتبر البعض نفسه الوريث الشرعي لكل الرموز الراحلين والغائبين والمختفين.
بعض الرموز الجديدة صورت نفسها أنها الوريث الشرعي للقيادات الكبيرة السابقة، من دون أن يدركوا أن تركة أولئك الرموز احتاجت الى سنوات طويلة للعمل والمثابرة والجهد عبر التعلم من نضالات الشعوب وقضاياها الوطنية. «الرمز» لكي يستحق هذه التسمية ينبغي أن تتوافر فيه صفات كثيرة منها: تاريخ معروف من النضال، مع شعبية واسعة بين الجماهير، مكابدة المنافي والسجون من أجل قضيته الوطنية، وامتلاك ثقافة سياسية وفكرية وقائدية متينة، وثبات على تلك الصفات لا تتغير بتغير الظروف.
الواقع الذي تعيشه البلاد مؤلم في ظل القوانين والاجراءات المجحفة القائمة على الارض، ولإحداث تغييرات جوهرية في السياسات التي اتخذتها المعارضة بعد الانفراج السياسي. في هذا العهد بالذات اختلط الحابل بالنابل، فقدت المعارضة السياسية مكانتها وخلت الساحة من الرموز والقادة الكبار بسبب الوفاة أو المرض أو الغياب القسري، وانفتحت الأبواب مشرعة أمام أصحاب الشعارات الرنانة المتباكين على واقع الحال الراهن، والذين كانوا بعيدين عشرات السنين عن سنوات النضال، أما بسبب الملل من متابعة ذلك الطريق أو بسبب انتهازيتهم أو الخوف من بطش السلطة على مدى عقود ماضيات. لهذا تولوا اليوم زمام الصفوف الأمامية للمعارضة غير مبالين بحقيقة أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام ضحايا اعتقال أو تشريد قسري أو ملاحقات.
كانوا عاجزين طوال ذلك الزمن عن الخروج من عزلتهم والتوقيع حتى على عريضة شعبية أو بيان سياسي يطالب بالحقوق المشروعة للمواطنين. لقد خلت الساحة من أصوات القادة الحقيقيين أو توشك، واكتظت بهؤلاء الجدد وعاظ السلاطين، وأصحاب الشعارات والزيف الذين لم يسمع أصواتهم احد وظلوا بالنسبة إلى المواطنين مجهولين.
تلك الوجوه التي كانت متخفية في زمن البطش خرجت في زمن الانفراج السياسي والمهرجانات العلنية لكي يساهموا باقتسام قطعة الكيك التي لم يساهموا في صناعتها.
ومن ينظر إلى تاريخ البحرين منذ زمن هيئة الاتحاد الوطني وقيادتها أمثال عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وإبراهيم فخرو وسيدإبراهيم كمال الدين وغيرهم من الرموز الكبيرة ومن جاء بعدهم مثل الشهيد الشيخ عبدالأمير الجمري والمرحوم أحمد الذوادي وعبد الرحمن النعيمي شافاه الله وعافاه... أولئك الرموز ملأوا الساحات الوطنية بالنضال، إذ كانوا في زمنهم صادقين، وكانوا واثقين بأنفسهم عصاميين يعملون تحت الارض في ظروف قاسية مواجهين السجن والاعتقال من دون تردد.
جبال شامخة يستطيع أن يدرك المرء من دون عناء قيمهم الخلقية والفكرية والروحية، ولماذا تحولوا إلى رموز، وهذا عكس ما وصفه الكاتب خالد المطوع عن رومانسية وشعوبية المتسلقين والمتملصين المدعين بالوراثة، وأصحاب المزايدات السياسية الذين لايزالون يذرفون دموع التماسيح في مراسم توديع الرموز الوطنية والقادة العظام. تمكن هؤلاء من اختراق المناضلين الحقيقيين حتى وصلوا إلى مراكز متقدمة من الوجاهة في الجمعيات السياسية والنفع العام والمجتمع باسم نضال مزيف والمضي على خطى الزعماء الكبار.
بعد أن فشل هؤلاء في اقناع الجماهير بمشروع الدولة الديمقراطية الدستورية التي كانت حلم الجميع، وساهموا في تسويقها ومناصرتها متكئين على شعارات القادة والرموز الكبار، موهمين الناس بأنهم في فترة مراجعة الحسابات بشأن المشروع الاصلاحي الذي دشن في العام ألفين. وكان أكثر ما تحقق في زمن تزعمهم في الساحة أنهم وعدوا الجماهير بأنهم القادة المؤهلون الذين سيبنون البيوت للمواطنين، ويشيدون المدن النموذجية والساحات والشوارع والمراكز الثقافية والرياضية، ويوفرون الوظائف والتأمين الصحي والأمن.
بعضهم الآخر وعد الناس باستعادة الديمقراطية الحقيقية والعمل على تعديل مواد الدستور والتي كانت موضع جدل بين المواطنين والسلطة، بعد إقرار الدستور الجديد العام 2001 وتحسين ظروف المعيشة والعمل ومواجهة الغلاء وتحقيق الوحدة الوطنية، ولكنهم حتى الآن مازالوا عاجزين عن تحقيق تلك الوعود. ويبقى السؤال هنا: هل أن هؤلاء القادة والرموز في ساحة البحرين اليوم هم امتداد للقادة الكبار السابقين؟ أم أنهم مجرد مزايدين وباحثين عن المنافع الشخصية لا غير؟
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2045 - الجمعة 11 أبريل 2008م الموافق 04 ربيع الثاني 1429هـ