العدد 2045 - الجمعة 11 أبريل 2008م الموافق 04 ربيع الثاني 1429هـ

ثقافة «الوهم» الجماعي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

واحدة من أعراض الإنترنت هي أن التكنولوجيا سهلت نشر الإشاعات والأقاويل والأحاديث التي قد لا تكون صحيحة، ولكن بسبب تَكرارها على المواقع الإلكترونية تصبح «وهما جماعيا». وقد أشار المحلل الأميركي توماس فريدمان في مقال له قبل خمس سنوات إلى أنه فوجئ عندما زار عددا من الدول العربية أن كبار الشخصيات والمثقفين يتحدثون في أمور كثيرة ويدافعون عن مواقف شتى، وأنه عندما سأل عددا منهم: «من أين أتيت بهذه المعلومة؟»، كان الجواب يتكرر «من الإنترنت».

الوهم الجماعي يخلق ذهنية لدى جماعات معينة، وهذه الذهنية قائمة على معلومات خاطئة. هذه المعلومات الوهمية لا ضرر فيها إلا إذا تحوّلت إلى غرس الخوف والذعر لدى فئة من المجتمع، أو بعض فئات المجتمع أو كلها من شيء ما، أو من خطر محدق... وإن «علامات» ذلك الخطر قد بانت وظهرت وثبتت من الحوادث والمعطيات التي يمرّ بها المجتمع.

الكتلة (أو الكتل) المجتمعية التي ينتشر ويتركز لديها الخوف من شيء ما تلجأ إلى تحريك الخطاب على أساس «اسطوانات مسجلة غير قابلة للتبديل»، وهذه الاسطوانات إذا كانت مؤسسة على أوهام، أو إشاعات، أو معلومات خاطئة، أو تحليلات قاصرة، فإن نتائجها مأسوية. وحاليا يتم تأسيس تضامنيات داخل هذه الكتل المجتمعية للدفاع عن نفسها من «تهديدات مصيرية تقترب من رقابها»، وتتحوّل تلك الإشاعات والفزاعات إلى «ذهنية جماعية مرعوبة» من شيء ما.

إن ما نراه في بلادنا هو انتشار الإشاعات الإلكترونية، وتَكرار الإشاعات من ِقبل مواقع إلكترونية تمثل جهات معارضة داخل المجتمع، وأخرى تمثل جهات قريبة من أصحاب النفوذ في الدولة، أديا إلى تحوّل بعض الشباب المترددين على هذه المواقع إلى «جنود الوهم».

ومما يؤسف له أن مواقعَ إلكترونية محسوبة على نافذين في الدولة تشارك بشكل غير وطني في خلق ثقافة وهمية وسيلة للرد على جانب من ثقافة معارضة نشأت لدى فئات تشعر بأنها محرومة في بلادها. ومما يؤسف له أيضا أن الكثير من الخرافات والقوالب النمطية في التفكير أصبحت تردد مقولات أكثر مما يتردد الأذان في مساجدنا، بحيث أصبحت بعض المقولات كأنها وحي منزّل، أو حقيقة بشرية عالمية لا اختلاف فيها أبدا. البعض يعتقد واهما أن إرجاع قانون أمن الدولة سيحمي كتلته المجتمعة وسيحافظ له على حصته من النفوذ الذي استحوذ عليه، والبعض الآخر يعتقد واهما أن وسائل العنف - مهما كانت صغيرة أو كبيرة - ستعطيه حقوقه. بين هذا وذاك يصمت الكثير من عقلاء القوم، تاركين الحبل على الغارب.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2045 - الجمعة 11 أبريل 2008م الموافق 04 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً