في نهاية الشهر الماضي (28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008) عقدت في العاصمة القطرية(الدوحة) جولة من المحادثات بين وفد من مجلس التعاون بشأن اتفاق التجارة الحرة مع وفدين يمثلان المفوضية الأوروبية والرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، وقال حينها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية إن الاجتماع تناول «ما تبقى من أمور عالقة في إطار المفاوضات الأوروبية الخليجية الهادفة إلى توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي»، ووصف المفاوضات بأنها «شاقة وعصية وسيكون لنا رأي مشترك بشأنها». المسار التفاوضي بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي مستمر منذ أكثر من 20 عاما، وكان الطرفان يأملان في التوصل إلى «اتفاق نهائي ينقل العلاقة بين الجانبين إلى شراكات استراتيجية خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية لتنسجم مع مستوى العلاقات السياسية» قبل نهاية العام الجاري.
غير أن تطورا حدث أمس الأول قلب التوقعات، وذلك عندما أشار رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني (ممثلا عن مجلس التعاون إذ إن قطر ترأس حاليّا دورة مجلس التعاون) إلى أن دول الخليج قد تضطر إلى «اتخاذ قرار سريع بوقف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي الخاصة باتفاقية التجارة الحرة». التصريح جاء أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء سنغافورة وذلك «عقب توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس وسنغافورة».
الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي كانت على وشك التوقيع بين أمير قطر والرئيس الفرنسي خلال زيارة الأخير للدوحة الشهر الماضي، لكن لأسباب لم تعلن ؛ تراجع الاتحاد الأوروبي في آخر لحظة عن التوقيع. من جانبها قالت وزيرة الدولة الفرنسية للتجارة ماري ايدراك (فرنسا ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي) لوكالة «رويترز» أمس الأول: «إن من المستبعد أن يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجارة مع دول الخليج العربية»، وذلك بعد أن كانت قالت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إن من المحتمل توقيع اتفاق هذا العام.
المهم في الأمر هو أن الجانب الخليجي هو الذي تجرأ على الجانب الأوروبي، وهذا بعكس المعتاد، إذ إن أوروبا لديها شروط اقتصادية وشروط أخرى تتعلق بحقوق الإنسان تتطلب التأكد منها قبل الدخول في اتفاق للتجارة الحرة. ولكن الأزمة المالية العالمية، وبروز القوة المالية الخليجية على المسرح الدولي أعطى القطريين (ممثلين عن الخليج في هذه الحالة) التجرؤ على الأوروبيين، وخصوصا أن هناك بدائل أخرى مع مناطق مهمة اقتصاديا في آسيا.
وفي الوقت الذي نشعر بالاعتزاز بأن الموقف الخليجي بدأ يتحدث من موقع قوة،فإننا أيضا نخشى أن تكون هذه العزة على حساب قضايا حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي نعلم أن الأوروبيين لديهم سياسات حمائية تنظر إلى مصالحهم الخاصة، نعلم أيضا أن أحد الجوانب الحسنة لديهم هو إدماج الملف الحقوقي في الشأن الاقتصادي، وهو ما نأمل رؤيته في بلداننا، لأن التنمية الاقتصادية يجب أن تكون من أجل الإنسان، وليس على حساب حقوقه. ان أهم نجاح حققه الاتحاد الاوروبي هو انه وضع شروطا حقوقية لايمكن لأي دولة عضو ان تتخطاها، وهو مايعتبر نهجا مميزا ، وحري بنا ان نحتذي بذلك في الاتفاقات الداخلية الخاصة بمجلس التعاون.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2294 - الثلثاء 16 ديسمبر 2008م الموافق 17 ذي الحجة 1429هـ