لا خيرَ في برلمان قائم على أساس تفكير طائفي أو مناطقي، ولا خير في برلمان معياره الأول المجاملات والتوسل لتحقيق تطلعات شعب بكامله، كذلك لا خير في نواب صراخهم مدوٍ أثناء الاجتماعات أمام وسائل الإعلام ولكنه كالحمل الوديع أمام تحمل المسئولية في تحقيق مطالب الناس وتطبيق الدستور.
إن ما جرى في مجلس النواب من تعطيل للجلسات فاقت السبع لهو دليل على قوة الحراك السياسي الذي يتمتع به الأعضاء تحت قبة البرلمان؛ لأن التعطيل الذي حصل هو لتقويم عمل المجلس من الأعضاء أنفسهم. هذا التعطيل أعطى فرصة للتأمل في الصلاحيات الممنوحة للأعضاء، هي فرصة نادرة لن تتكرر في جمع الأعضاء سواء داخل المجلس أو خارجه في تبيان رأي الكتل للشعب وللمسئولين وتوضيحه بشأن الآليات وتفسير مواد الدستور. فلا ضير لو تعطلت الجلسات وتحققت الأمنيات وتطلعات الناس بعد تصحيح الوضع.
صحيح إن هناك من يختلف في سببية هذا التعطيل إلا أن وضع النواب تحت طائلة المسئولية هو الأهم. من يظن أن تعطيل المجلس لعدة جلسات هو تعطيل لمصالح الشعب فهو واهم. فقد صبر شعب البحرين وناضل طويلا لعودة الحياة البرلمانية التي أرسى قواعدها جلالة الملك وتأكيد رئيس الوزراء التعاون التام مع مجلسي الشورى والنواب في تحقيق تطلعات شعب البحرين ورغباته بما يناسب الإمكانات ويتطابق مع الدستور. وما مقابلاته المستمرة مع كل الكتل البرلمانية وأعضاء المجلسين إلا دليل على جدية التعاون. كما أن هناك الكثير من مشروعات ومقترحات القوانين داخل لجان البرلمان تعطلت ولم يصرخ أي نائب بتعطيل مصالح الناس، ولكن عندما تتعطل رغبة من رغبات هذا النائب أو ذاك أو عندما يتأخر الرد على سؤاله للوزير يطالب بمحاسبة المسئول، وكلام رئيس مجلس النواب خير شاهد على ذلك عندما طلب في إحدى الجلسات ضرورة الانتهاء من مشاريع القوانين الموجودة لدى اللجان كما حذر من عدم وجود ما يدرج على جلسات المجلس.
إن تعطيل الجلسات هو من أجل التوافق على موضوع واحد فقط من أصل عدة مواضيع يجب أن يتم التركيز عليها. الموضوع الحالي هو طريقة الاستجواب لأي وزير وهذا بحد ذاته مكسب للبرلمان وللمشروع الإصلاحي. فلو فرضنا الاستمرار على الطريقة الحالية القائمة على أساس التركيز على وزير وترك آخر، أو الوقوف ضد كتلة معينة لأنها ترغب في محاسبة هذا الوزير وترك ذاك، فإن ذلك يعتبر ضربة للمشروع الإصلاحي من المؤتَمَنين على تنفيذ الدستور، كما أنه ضد توجيهات القيادة السياسية القائمة على أساس محاسبة المقصرين أيا يكن موقعهم في الدولة.
لقد شاهد المتتبعون لاجتماعات المجلس اصطفاف الأعضاء والكتل ضد بضعهم بعضا وعدم الاحتكام إلى العقل والمنطق بضرورة إعطاء المجلس القوة لتعزيز المشروع الإصلاحي بحجج تفسير اللائحة الداخلية والدستور. أما المواضيع الأخرى الجديرة بالاهتمام فهي لجان التحقيق وآلية عملها وإلزامية قراراتها وردود الوزراء على الأسئلة الموجهة لهم فهي لا تخلو أكثرها من ردود إنشائية وتسويف وأمنيات. وكذلك اقتراحات القوانين التي تأخذ زمنا في أدراج الحكومة.
كما أن هذا التعطيل يعتبر فرصة لأعضاء مجلس الشورى بالذات لضرورة المطالبة بآلية تتيح تحويل مشاريع القوانين إلى أي من المجلسين للنظر فيه بدلا من الآلية القائمة حاليا على تحويله إلى مجلس النواب أولا بحسب المادة (81) من الدستور. وتتيح هذه الآلية سرعة إنجاز مشروعات القوانين باعتبار أن أعضاء المجلسين يمثلون شعب البحرين كافة ويهمهم مصلحة الشعب والوطن أولا، كما أن الاستفادة من خبرات غالبية أعضاء مجلس الشورى المتنوعة تثري مشاريع القوانين عند مناقشتها في مجلس النواب والأدل على ذلك غالبية القوانين التي تعاد إلى مجلس النواب من مجلس الشورى يتم الأخذ بها لوجاهة التعديلات. كما أن غالبية مشاريع القوانين تأخذ وقتا طويلا لدى مجلس النواب وعندما تحال إلى مجلس الشورى يطلب منهم الانتهاء منها في أسرع وقت بداعي قرب انتهاء دور الانعقاد مثلا أو رغبة الحكومة في الإسراع بالقانون؛ مما يخلق ضغطا على الأعضاء وعدم الاستفادة من خبراتهم.
إن مضي خمس سنوات من عمر التجربة البرلمانية البحرينية كفيل بإعادة النظر في بعض مواد الدستور حتى تلائم تطلعات جلالة الملك والحكومة وشعب البحرين. والطريقة المثلى لذلك هي التوافق بين مكونات العملية السياسية البحرينية ممثلة بالقيادة السياسية والحكومة وممثلي الشعب من المجلسين.
إقرأ أيضا لـ "حسين خميس"العدد 2044 - الخميس 10 أبريل 2008م الموافق 03 ربيع الثاني 1429هـ