كنتُ في حَلَقَة دراسية أكاديمية تضطلع بتشريح مقالات الرأي . ولأنّ مديرالحلقة هو أستاذ حَاذق وضليع في شواغله العلمية؛ فقد تميّزت المناقشة بالعُمق والتشخيص الدقيق للأعمال المُنجَزة .
إحدى الزميلات سألتني عن ورود كلمة « خرداد « ومعانيها ورواتبها في مداخلتي المُنجزة؛ ليدور الحديث بعدها حول هوية المفردات الأجنبية في مقالات الرأي وما هي موجباتها .
وربما دفعني ذلك التساؤل؛ لأنْ أشيح هنا عن حقيقة هذه المفردة (خرداد) وغيرها من المفردات المتوالية والدارجة في الموروث الإيراني، كالثاني والعشرين من بهمن ذكرى انتصار الثورة، والتاسع والعشرين من اسفند ذكرى تأميم النفط، وغيرها من المسمّيات التي تحاكي أدبا وتاريخا مجاورا نتعايش معه منذ قرون سحيقة .
يذكر التاريخ أنّ الفتح الإسلامي لبلاد فارس قد نَسَخَ التقويم الفارسي اليزدجردي القديم؛ لتعتمد الحاضنة الإسلامية الجديدة السنة الهجرية القمرية . إلاّ أنّ السلطان جلال الدين ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي قرر لاحقا العمل بالتقويم الفارسي القديم بعد تحسينه وتشذيبه بإضافة أيام النسئ بالشهر الثامن الفارسي « آبان « وذلك في العام 472 هـ الموفق لـ 1079 الميلادي .
وبحسب هذا التقويم فإنّ السنة الفارسية تبدأ في غرّة الربيع الذي يُصادف الحادي والعشرين من شهر مارس/آذار في السنة الميلادية، فيكون فصل الربيع حاويا لثلاثة أشهر فارسية هي : فروردين ويمتد من 21 مارس حتى 20 أبريل/نيسان ، ثم شهر أرديبهشت ويمتد من 21 إبريل حتى 21 مايو/آيار، وشهر خرداد ويمتد من 22 مايو حتى 21 يونيو/حزيران .
أمّا فصل الصيف فيضم ثلاثة أشهر فارسية هي : شهر تير ويمتد من 22 يونيو حتى 22 يوليو، وشهر مرداد ويمتد من 23 يوليو/تموز حتى 22 أغسطس/آب، وشهريور ويمتد من 23 أغسطس حتى 22 سبتمبر/أيلول .
في حين يتكوّن فصل الخريف من ثلاثة أشهر فارسية هي : مهر ويمتد من 23 سبتمبر حتى 22 أكتوبر/تشرين الأول، وشهر آبان ويمتد من 23 أكتوبر حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني، وشهر مارس ويمتد من 22 نوفمبر حتى 21 ديسمبر/كانون الأول .
أما فصل الشتاء فيحتوي على الشهور المتبقية من السنة الفارسية وهي : شهر دي ويمتد من 22 ديسمبر حتى 20 يناير/كانون الثاني، وشهر بهمن ويمتد من 21 يناير حتى 19 فبراير/شباط، وشهر اسفند ويمتد من 20 فبراير حتى 20 مارس لتبدأ السنة الفارسية الجديدة بعد يوم واحد .
ضمن هذا التقويم ومن أجل تحاشي عدم التطابق بين السنوات الكبيسة في السنة الميلادية والسنة الفارسية، فقد تحولت عملية التطابق بين الأشهر الميلادية ومثيلتها الفارسية مرة واحدة كل ثلاث سنوات، فحين يكون الأوّل من شهر فروردين في العام 1375 هـ ش مطابقا للعشرين من مارس 1996 فإنه وفي العام 1379 (السنة الفارسية) سيكون الأوّل من فروردين مطابقا للعشرين من مارس في العام 2000 م .
بطبيعة الحال فإنّ استعمالات هذا التقويم في الجمهورية الإسلامية لم تكن استعمالات عرفية؛ بقدر ما هي دستورية قرّرتها المادة السابعة عشرة من الفصل الثاني من الدستور الإيراني، لكن هذه المادة أيضا قد بيّنت بأنّ بداية التاريخ الرسمي لإيران هو هجرة الرسول (ص) معتبرة أنّ التاريخين الهجري الشمسي والهجري القمري كليهما رسميّان، لذا فقد تجد أن هناك العديد من العطل الرسمية في إيران تحاكي التقويم الهجري القمري كعطلة عيدي الفطر والأضحى، وعيد الغدير، وتاسوعاء وعاشوراء الإمام الحسين (ع) وذكرى ولادة ورحيل الرسول الأكرم (ص) وغيرها من المناسبات، وهو بالتأكيد ذات المسعى الذي جاهدت الأهداف العامّة للثورة من أجل ترسيخه وتظهير الممازجة بين الثقافة الإسلامية والثقافة الفارسية .
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ