لم يكن متوقعا أن يضم الوفد الرسمي إلى جنيف ألوانا سياسية متنوعة تمثل الطيف البحريني كافة.
ولم يكن متوقعا من دول العالم الثالث غير المديح. فكلنا شرقيون، والمجاملات التي يبيعونها لنا اليوم سينتظرون ردّها عليهم غدا، وهي آليةٌ من الطبيعي أن تتحفّظ عليها مؤسسات المجتمع المدني.
ومن حق وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة أن يعتبر ما حصل في جنيف نصرا للبحرين، ولكن أي بحرين؟ بحرين التي مازلت تمانع أي اقتراب من معالجة مشكلاتها السياسية الحساسة، ويصطف بعض نوابها ضد بعض لإسقاط حقٍّ أصيل لمجلس النواب، ويقفون حائط صد ضد استجواب بعض الوزراء!
من الواضح أن الوزير البحارنة لم يكن مرتاحا لإبراز مواقف الدول الغربية التي كانت لها بعض «الملاحظات» على البحرين، وهي ملاحظات ليست هامشية، بل هي في صميم العملية السياسية والاجتماعية، بدليل تداولها في مؤتمر الحوار الوطني الذي نظم قبل أسبوعين، وحضرته 500 شخصية وطنية من مختلف الأطياف.
ثم إن ما يعتبره الوزير مدحا، لكون الوفد الرسمي كبيرا ومنوّعا، فإن الرأي الآخر يمكن أن يراه إشكالا، باعتباره تجييرا لصوت السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية، بما يجعلها تابعة وليست ذات رأي مستقل يمثّل الشعب كما هو المفروض. وهو ما يعزّز من كون العملية كلها مجرد «علاقات عامة» حاول الوزير نفيها. بل إن الخطأ الأكبر إشراك شخصية «شبه رسمية» عُرف عنها نزعتها المكشوفة لتمجيد الدكتاتورية الفاشية بالمنطقة، ومعاداتها حقوق الإنسان ومطالبتها جهارا نهارا بحبس الصحافيين، في الوقت الذي تساءل بعض المندوبين الغربيين عن مصير قانون الصحافة الذي طالما طالب به المجتمع المدني والصحافي.
للوزير البحارنة أن يعتبر ما حدث في جنيف نجاحا في إبراز صورة البحرين على المستوى الحقوقي، ولكن يبقى ذلك مجرد «وجهة نظر» لا يشاركه فيها الكثيرون، سواء أكانوا جمعيات حقوقية وسياسية، أم شخصيات وطنية أم أصحاب رأي أم مراقبين، لأن واقع البلد شيء آخر. فمن شاركوا في حفلة المديح على طريقة «شعراء البلاط» - كما وصفهم عبدالله الدرازي - لا يعلمون ما يعلمه ابن البلد من حقائقَ ويعيشه من أزمات.
لا ندري في أيّ ملعب ستستقر «كرة حقوق الإنسان البحريني»، فنحن أمام مفترق طرق. الوزير البحارنة تحدّث بلهجة متفائلة جدا، معتبرا محطة جنيف «فرصة كبيرة للمجتمع المدني ليدخل في برنامج جدي لتطوير أوضاع حقوق الإنسان». في المقابل نرى ردّة الفعل السلبية لدى الجانب الأهلي، باعتبار «آليات جنيف» تمنح شهادة حسن سيرة وسلوك للحكومات من دون اختبار جدي لمدى التزامها بالعهود ومواثيق حقوق الإنسان. بل إن عضوة الوفد الأهلي الكاتبة والناشطة فريدة غلام طالبت المجتمع المدني بـ «عدم إقحام نفسه في أية تقارير حكومية مقبلة، لأنه يفقد احترامه عندما يشارك في عملية التغنّي باسمه... فيستعرض دوره بطريقة دعائية لتجميل وجه الحكومات».
إذا... ليس هناك اتفاقٌ على تقويم موحد لوقائع «جنيف». سيظل الواقع مثقلا بحقوق الإنسان المنتقصة، من اختلال الدوائر الانتخابية وما يفرزه من برلمان بلا موقف أو هوية، إلى مشكلات خدم المنازل والاتجار بالبشر. وسواء اعتبرنا ما حصل نصرا أو خسارة، من الجيد أن نحتكم إلى قول السيد المسيح (ع) مع بعض التحوير: ماذا ربح «الوطن» لو كسب العالم وخسر «شعبه»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ