مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي حضرته القوى السياسية، بمشاركة 500 شخصية سياسية وبرعاية رسمية من معهد التنمية السياسية، يُراد له أنْ يظل مؤتمرا للمجاملات واللقاءات السياسية الباردة نتلمسه من خلال آراء مجموعة من المطبّلين والمزمرين في الساحة السياسية، الذين اعتادوا الخروج من جحورهم للرقص على إيقاعات الفتن الطائفية والمنغصات الوطنية، وإنجاز المهمّات الصعبة بكلّ جرأة، فهم لا يريدون للمؤتمر الوطني أنْ يكون منبرا للمكاشفة والمصارحة الوطنية، فهم كما يرون من خلال إطروحاتهم الشخصية الضيّقة بأنّ المصارحات الوطنية ستؤدي إلى شروخ وطنية. هذا ما يُحاولون الترويج له وهناك مَنْ يساعدهم في التسويق لآرائهم.
استغرب وأتعجب واقعا، فإذا كان أحد أهداف المؤتمر الوطني هو تكميم الأفواه عن قول الحقيقة وكراهية سماعها كما كان البعض مُنزعجا إنزعاجا تاما كان الأولى له أنْ لا ينعقد أصلا ولا يُدار. وإذا كان وضعنا الوطني معافى ولا يُعاني من الأمراض ولا المشاكل الوطنية، وليس لدينا ملفات ساخنة بحجم مشاكل التمييز والطائفية وغيرها من ملفات تمت إثارتها في المؤتمر، فأظن بأنه أصلا لا حاجة لنا بالمؤتمر ولا بانعقاده. وإذا أقررنا بأن لدينا أمراضا تظهر على شكل محاور وملفات وطنية مهمّة ينبغي مواجهتها لعلاجها ولرجوع صحة جسمنا سليما كالطائفية في أحد أبعادها، والتمييز كبعد آخر، كما حدث بالفعل في المؤتمر من خلال تخصيص أوراق خاصة لتلك المحاور، فالأولى أنْ تُدار وتناقش ضمن أرضية وطنية واسعة الأفق، وتتحمّل كل المنغصات المطروحة سواء من حيث التشخيص أو العلاجات المطروحة. أمّا أن نبدأ بالانزعاج والتأفف لمجرد إننا سمعنا الصراحة، وشاهدنا الواقع منعكسا في أحد أوراق المؤتمر، فذلك لا يعدو كونه ضجة مفتعلة لا أصل لها، فالأصل الشفافية في الطرح.
والمؤتمر حينما يَطرح بشفافية لا يتعرّض للنسف أبدا ويكون غير قابل لذلك، بل يكون في أحسن أوضاعه، وعندما نجامل ونغالي ونترفع عن الواقع، ونبدأ نحلّق في سماء أحلامنا نكون قد ابتعدنا كثيرا عن الحقيقة وزادت أمراضنا وأسقامنا.
النقطة الأهم والأبرز التي يجب عدم التنازل عنها في جميع الحوارات والمؤتمرات واللقاءات السياسية التي تجمع جميع الفرقاء على طاولة واحدة هي احترام وجهات النظر الأخرى، والترحيب بالاختلاف كمبدأ طبيعي، إلى جانب لغة الحوار، وتقبل الآخر مهما يكن موقفه؛ لأنّ كل تلك الأمور عوامل مساعدة لنجاح اللقاءات السياسية. وللأسف الشديد كل تلك المعايير والتوجهات لم تكن بالمقدار الكافي مما تسبب في وجود أزمات مفتعلة وكأنما هناك نيّات مبيّتة للتصيّد والتربّص.
هل نريد أن نقول إن الوفاق مخطئة؟ نعم، مخطئة لأسباب كثيرة وعديدة مخطئة لكونها شاركت في المؤتمر كان عليها أن ترفض المشاركة في المؤتمر، مخطئة لكونها اختارت طريق ذات الشوك أنْ تتكلم في موضوع الطائفية والمواطنة الموضوع الشائك، القضية الحيّة غير مُعترف بها؛ لأنها تمثل عارا. مخطئة لكونها قد انتهجت أسلوب المصارحة والمكاشفة، وشقت الصف وكان عليها أنْ تجاري ما هو موجود، و ألا تتميز في الطرح. مخطئة؛ لأنها تكلّمت بلغة الأرقام ولغة الأرقام كما هو معروف تفضح المستور.
مخطئة؛ لأنها كانت صريحة وربطت خيوط الملفات السياسية كلّها بالموضوع الأصلي وهو مشروع الطائفية. مخطئة لأنها تسببت في إحداث شرخ وطني لن يندمل مع الأيام؛ لأنها واجهت الحقيقة وتحدثت بلا خجل.
طيّب... وإذا كانت الوفاق تدعي وتفتري في ورقتها وبالغت وذهبت بعيدا عن الحقيقة وكانت طائفية في الطرح في حين أنها كانت تتكلّم عن الطائفية، فالسؤال: أين إذا الحقيقة يا أصحابَ الإدعاءات؟ وإذا كانت الأرقام التي جاءت بها الوفاق غير دقيقة فأظن بأنّ الرد المناسب على هذا الإدعاء بأنّ الواقع الحالي أصدق كثيرا عن لغة الأرقام التي استعانت بها الوفاق في ورقتها. تعالوا لنرى بأم أعيننا، التمييز الوظيفي فقط في وزارتي الداخلية وقوّة الدفاع، وإذا أردتم مؤسسة حكومية أخرى فلتكن الحرس الوطني ونواصل وزارة الإعلام والقائمة تطول.
وإذا أردنا أيضا تفنيد أكثر لصحة ما تقوله ورقة الوفاق تعالوا لنضع النقاط على الحروف، لماذا قوبلت لجنة التحقيق في التمييز الوظيفي بالرفض من قبل بقيّة الكتل في البرلمان؟ الجواب بلا رتوش لأنّ الحقيقة فاقعة وقضية كسبانة للوفاق، وعلى حساب امتيازات أخرى لبعض التيارات السياسية.
الشرخ الوطني لا يأتي من خلال أسلوب يعتمد على المصارحة كما يحلو للبعض أنْ يرقص على إيقاعه، ولكن الشرخ قد يأتي لأنّ هناك أمزجة سياسية اعتادت أنْ تهاجم وأنْ ترفع صوتها دائما بحق وبغير وجه حق، حتى بدأنا نشعر بالاشمئزاز من سماع مداخلاتهم التي لا تكاد تخلو من الضجيج المفتون بالفتن الطائفية والاتهامات بلا أدلّة.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ