لا يولي السينمائي الإماراتي مسعود أمرالله اهتماما كبيرا للمسميات، وسواء كانت مسابقة أم مهرجانا أم تظاهرة، كلها تقود إلى فكرة واحدة وتؤدي إلى النتيجة ذاتها. بالنسبة إليه ما يهم هو وجود ثلة ممن يحملون الهموم الثقافية السينمائية ذاتها، يعيشونها هما، مثله تماما. همومه السينمائية بدأت محلية فكانت مسابقة «أفلام من الإمارات» التي استمر معها على مدى 7 أعوام. الآن تتوسع همومه، تصبح خليجية، فينتقل مسعود من «مسابقة أفلام من الإمارات» إلى «مهرجان الخليج السينمائي» الذي تبدأ فعالياته بعد أيام قلائل بمدينة دبي، وعلى صالة «مسرح دبي الاجتماعي» و «مركز الفنون» في «مول الإمارات». تقام فعاليات المهرجان على مدى 6 أيام ابتداء من 13 حتى 18 أبريل/ نيسان الجاري، ويعرض خلاله عدد من الأفلام الخليجية التي تتنوع بين روائية طويلة وأفلام قصيرة.
أمرالله الذي يدير «مهرجان الخليج السينمائي» كان في زيارة سريعة للبحرين منذ أسابيع، أعلن خلالها عن تنظيم المهرجان الجديد داعيا صنّاع السينما من هواة ومحترفين إلى المشاركة بأعمالهم في هذا المهرجان. «الوسط» التقته على هامش زيارته تلك وأجرت معه الحوار الآتي:
ماذا سيحل بمسابقة «أفلام من الإمارات»، هل ستظل قائمة أم ستستبدل بـ «مهرجان الخليج السينمائي»؟
- ستقام آخر دورة للمسابقة هذا العام، بعد ذلك ستضم إلى «مهرجان أبوظبي للشرق الأوسط». بالنسبة إلي سأكون خارج المسابقة، والبديل لدي هو «مهرجان الخليج السينمائي»، الذي يعنى بالسينما الخليجية بالمعنى الشمولي أكثر من مجرد تخصيص قسم لها في مهرجان.
لماذا لم تقم مسابقة للأفلام الخليجية، على غرار مسابقة «أفلام من الإمارات»، بدلا من تخصيص مهرجان متكامل. أليس مسمى المسابقة أكثر ملاءمة للوضع الخليجي القائم فيما يتعلق بصناعة السينما، فما لدينا لا يتعدى كونه حراكا سينمائيا أو محاولات فيلمية شبابية... هل يستدعي هذا الحراك السينمائي بنوعيته وكمه، تخصيص مهرجان للاحتفاء به، ألا نحتاج إلى تأسيس صناعة متكاملة أولا؟
- حين بدأنا مسابقة «أفلام من الإمارات» لم يكن يوجد حينها حركة في الوسط السينمائي، لذلك اعتبرناها مكانا لالتقاء المخرجين الخليجيين والإماراتيين بالدرجة الأولى. بعد ذلك بدأت الحركة تأخذ بعدا أكبر من عام لآخر، وظل اسم المسابقة مرتبطا بها. الآن نبدأ فكرة جديدة تماما هي «مهرجان الخليج»، فهناك حركة مشروعة وموجودة على صعيد الفيلم القصير على الأقل. السؤال هنا: هل بتقييم الأفلام نسمي الأشياء أم بوجودها وشرعيتها؟ الأفلام موجودة، لكن هل لأنها محاولات بسيطة، فلذلك لا تستحق لقب مهرجان أو العكس؟ بالنسبة إلي المسمى في النهاية هو اسم فقط، سواء كان مهرجانا أم ملتقى أم مسابقة.
لكن ألا يضيف مسمى المهرجان إلى الأمر شيئا؟
- لم أفكر في المسمى بشكل جدي، وهل إذا استخدمت كلمة مهرجان ستتغير الأفلام عنها في المسابقة؟ نعم، شرعية المهرجان تعطي شرعية للفيلم، حين نقول إن الفيلم شارك في مهرجان ما سيعطيه هذا زخما أكبر وستنظر إليه المهرجانات الأخرى بعين مختلفة. لدينا التجارب الإماراتية التي تصل إلى مسابقة «أفلام من الإمارات» مثلا، وتفوز في المسابقة، نقوم بإرسالها لتشارك في مهرجانات عربية ودولية، لكنها في بلدها تظل تشارك في مسابقة. المسميات مختلفة لكن هل وجودها في المهرجانات الأخرى شرعي وفي المسابقة غير شرعي؟
كذلك يأتي اسم المهرجان من طبيعة الأفلام المشاركة، فهذه المرة الأولى التي يفتح فيها الباب للأفلام الروائية الطويلة ومن بينها أفلام 35 ملم معمولة بمقاييس سينمائية مثل فيلم «حكاية بحرينية». وهناك الكثير من الأفلام التي يفترض أن تشارك في المهرجان مصورة بـ 35 ملم وبتقنيات عالية، فلماذا لا تنطوي تحت اسم مهرجان. أنا أرى أن المسميات لا تهم بقدر ما تعني حركة الأفلام وشرعيتها وأحقيتها في أن يكون لها صوت.
لكن ألا ترى أن الأفلام الشبابية التي مهما بلغت درجة نضج مخرجيها، لن تظل سوى محاولات هواة، وهي لو وصلت إلى مهرجانات أكبر يمكن أن تظلم أمام محاولات أكثر نضجا؟
- أنظر إلى الأمر بشكل مختلف، فإما أن تكون هناك موهبة أو لا، والمخرج صاحب الموهبة لا تخيفه التجارب السابقة. الأفلام الإماراتية التي تحدثت عنها التي وصلت إلى مهرجانات دولية وعربية وفازت بجوائز مثال على ذلك، كذلك فإن «نادي الهواة» في تونس مثلا خرّج جميع مخرجي تونس اليوم. المخرج الموهوب صاحب الحس والوعي السينمائي الذي يشتغل على نفسه بشكل جيد لا يخشى هذا الأمر. المخرجة السعودية هيفاء المنصور وصلت إلى مهرجانات عالمية وهي هاوية وأدواتها بسيطة. كيف حصل هذا الأمر؟ لأن لديها ما تطرحه، ولديها الثقة بالنفس عدا عن مستوى الفهم السينمائي لديها. كذلك فإن هناك كثيرا من التجارب الأولى لبعض المخرجين فازت على تجارب سابقة لمخرجين لديهم تاريخ في صناعة السينما.
الموهبة لا تقاس، ولا نقول إن هناك هاويا بأي معنى، بل أن مفهوم الهواة مختلف في الدول الأجنبية عنه في الدول العربية، الهاوي لدينا هو المبتدئ، بينما هذا مفهوم خاطئ، فالهاوي هو الذي لا يعمل في المهنة بشكل كامل، في مقابل المحترف الذي يمتهن صناعة الأفلام.
هل يعني هذا أنه لن يخرج من المهرجان سوى الأفلام التي تقنع لجنة التحكيم؟ وهل يعني ذلك وجود لجنة تحكيم صارمة؟
- دائما أطالب بالصرامة، لكني أشعر دائما بأن لدي رحمة غريبة بالشباب. يجب أن نشجع أكبر قدر ممكن من الشباب على دخول هذا الحقل الذي ظل مهملا لسنوات وليس له رواد. لا أتوقع أن أحصل على مخرج استثنائي منذ أول تجاربه، وخصوصا في ظل ظروف إنتاج الأفلام الصعبة والوضع العام غير المشجع في دول الخليج. فهل نكون قاسين في التعامل مع المبدع إذا كانت المدارس مغيّبة وصالات السينما والتلفزيونات تعرض نماذج معينة من الأفلام.
هل حين ننظم مهرجانا نضع شروطا قاسية، إذن أين يذهب صاحب العشق السينمائي، الذي لم يتعلم المهنة؟ قد نحتاج الصرامة في تحديد أي الأفلام تدخل المسابقة، لكن بعد دخول المسابقة لا يمكننا أن نمارس أية قسوة عليه.
هل يمكن اعتبار المهرجان محاولة لبناء جسور الثقة بين الفيلم الخليجي والمتفرج، فما هو موجود عبارة عن كم لا بأس به من المحاولات الشبابية القصيرة وبعض الأفلام الروائية التي لم تحظَ بنجاح جماهيري كبير؟
- المهرجان يحقق أغراضا كثيرة مرئية وغير مرئية، يعطينا فرصة لأن نشاهد أنفسنا كوننا شعوبا خليجية على الشاشة، وأن يشاهدنا الآخرون. نعرف نحن الخليجيون كيف نعيش، لكن حتى المقيم الذي يعيش معنا لا يعرف عنا الكثير، التواصل بيننا وبين الآخرين مفقود. كذلك لدينا إرث كبير لم نتناوله على الشاشة. إرث يجعلنا قادرين على تجربة كل أنواع السينما. لدينا حكايات شفهية ظلت تتناقل على لسان الجدات، نستطيع أن نستقي منها الكثير ونقدمها في صور مختلفة، تدخلنا لكل أنواع السينما.
إضافة إلى ذلك، المهرجانات تخلق شريحة جديدة من الجمهور، هي شريحة قد تأتي بداية من باب الفضول، لكنها مع الوقت تبدأ في تشكيل وعي جديد وفهم مختلف للعملية السينمائية.
هل هناك جدية على المستوى الرسمي الخليجي لإنشاء صناعة سينمائية خليجية، بحيث يمكننا الوقوف بهذا المهرجان جنبا إلى جنب المهرجانات الاحتفائية بالسينما العربية، أو أن نقدم مهرجانا يتوقف عنده صنّاع السينما العالميون أو المهتمون الدوليون بها على الأقل؟
- علينا التأني في هذه الأمور، منذ سنوات طويلة ونحن نطالب بأن يكون هناك التفات إلى الشأن السينمائي. اليوم لدينا مهرجان، وهذه لفتة تحسب للمسئولين، لكن علينا أن نأخذ الأمور ببطء شديد. هل نتوقع أن نتمكن من خلق تيار سينمائي بهذه السرعة؟! أولا، يجب خلق موجات سينمائية حقيقية، تجتمع لخلق هذا التيار، وتقدم تجارب سينمائية جيدة. أتصور أنه علينا الآن أن نقدم أفلاما جيدة وليست محاولات غالبيتها غير ناجحة، لأن وجود مثل هذه الأفلام الناجحة هو ما سيشجع المسئولين على الاعتراف بالوجود السينمائي، ومهرجان الخليج يحاول أن يقدم هذه الأصوات السينمائية الجيدة وأن يفرز جيلا مختلفا، يفرض على الآخرين شرعيته. نعرف أن الأصوات السينمائية دائما تكون أعلى في المهرجانات.
هل توجد بنية تحتية مناسبة لتأسيس صناعة سينمائية خليجية، وهل هناك تفكير جدي على الأقل من حكومة الإمارات التي تبدو كأنها تسير على خطى مدروسة بهذه الاتجاه؟
- بالنسبة إلى توجه دبي لصناعة السينما، من الواضح أنها تفكر بشكل سليم، كما أن درجة الحساسية لديها كبيرة جدا، هناك «مدينة دبي للإعلام»، و «مدينة دبي للاستوديوهات»، و «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، و «مهرجان الخليج السينمائي»، و «أكاديمية مانهاتن لصناعة الأفلام»، عدا عن وجود بنية تحتية أولية ضرورية لأية صناعة سينمائية.
أعتقد أن دبي وعت لأهمية السينما باعتبارها صناعة ذات عوائد كبيرة. «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الآن أصبح محطة رئيسية للسينما العربية، إذ لا يوجد أي مهرجان عربي آخر يحتفي بالسينما العربية كما يفعل «مهرجان دبي». الدائرة الأضيق من «مهرجان دبي» هو «مهرجان الخليج». لدينا الآن إذن 3 حلقات: «مهرجان الخليج» و «المسابقة العربية» و «مسابقة آسيا وإفريقيا» وهي النطاق الجغرافي الأكبر، فأنت في هذه الحلقات تريد أن تقول إن دبي مركز سينمائي رئيسي لهذه الدول كلها. دبي وعت لهذا الأمر الآن وهناك مبادرات ستأتي مستقبلا لتدعم الأمر بشكل أكبر.
العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ