لا أدري هل كان من حسن حظ بلدنا البحرين أنها «أول دولة» تخضع للمراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف أم لا؟
البحرين ليست الوحيدة، فهناك 16 دولة أخرى ستخضع لهذه المراجعة لسجل حقوق الإنسان، لكن مراجعة سجل بلدنا استغرق ثلاث ساعات، تحدث خلالها مندوبو 36 دولة، وكان طبيعيا أن تميل القلوب لبعضها على الطريقة العربية، فكلنا في همّ الحقوق «عرب»، حكوماتٍ وشعوبا، إلا أن مواقف الدول الأخرى خارج منظومة الأقارب والمضارب العربية، لن تأتي بما تشتهيه سفننا.
لن نختلف مع مندوب فلسطين، الذي وصف بلدنا بأنه «جوادٌ عربيٌ أصيلٌ»، وذلك أمرٌ نعتز به، لكن هذا الوسام لن يعفينا من مراجعةٍ أمينةٍ وصريحةٍ ومسئولةٍ لسجلنا الوطني في مجال حقوق الإنسان، قبل أن يحاسبنا عليه الآخرون.
هناك إشكالياتٌ كبرى لم نمتلك الجرأة بعد على حلّها، وبقينا سبع سنين نراوغ ونماطل، في مكابرةٍ غريبةٍ على الحق والحقوق، ظنا بأن العملية لا تزيد على لعبٍ في الوقت الضائع، كما يفعل الفريق المنتصر في الدقائق الأخيرة من المباراة.
مؤسسات المجتمع المدني بذلت ما بوسعها خلال السنوات الماضية للوصول إلى حلول، فتم عقد ورش عمل واستضافة شخصيات عربية وأجنبية مشهود لها بالنزاهة، لتداول الموضوعات الإشكالية؛ والخروج بتوصيات لم يكترث لها الحكم. وقوبلت هذه الجهود بحملات مضادة للتشكيك بالمؤسسات والشخصيات الوطنية، على أيدي أقلامٍ تعمل بالروموت كونترول. وآخر ما تفتقت عنه هذه الأقلام ضرورة القيام بحملات «علاقات عامة»، لكيلا يغلبكم كم أقرع يجيدون اللعب في الخارج... النصيحة سُمعت، فماذا كانت النتيجة؟
القضايا والإشكالات التي يعيشها الوطن لا يمكن ترقيعها بحملات «علاقات عامة»، كما دلّت هذه التجربة، فقد شاركنا بوفدٍ رسميٍ كبيرٍ، لا ندري كم كلّف موازنة الدولة، لكنه فشل في إقناع اللاعبين الرئيسيين بصحة سياساتنا.
على الأرض هناك ملفاتٌ لم تحسم، من تعويض ضحايا الحقبة السابقة، إلى الدوائر الانتخابية، والتمييز الطائفي الذي أثمر فنونا أخرى من التمييز (الوظيفي والفئوي والمناطقي)! حتى أصبحنا أمام جدارٍ من الامتيازات الذي يستقتل للدفاع عنه المتمصلحون، إنْ في البرلمان أو وسائل الإعلام والوزارات... فضلا عن حقوق المرأة والعمال الأجانب وخدم المنازل والمتاجرة بالبشر، واستقلال القضاء وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وكفالة حرية التعبير والتجمعات... فأيُّ حملاتِ علاقاتٍ عامةٍ يمكن أن تستر كل هذه الثغرات؟
الحمد لله أن النقد لم يأتِ من كوبا أو كوريا الشمالية أو إيران أو الصين الشيوعية، لكنه جاء من دولٍ تربطنا بها علاقات استراتيجية حميمة، فلا يمكن أن نتهمها بتدبير مؤامرات ضدنا، أو محاولة ابتزازنا. فلنحملها على محمل الخير، وخصوصا حين تدعونا لمراجعة الدوائر الانتخابية لموازنة عدد الأصوات مع عدد الممثلين، وإدماج الفئات المهمّشة في الحياة العامة، للخروج من هذه المعادلة المختلة، التي تزيد من التباعد والتنافر بين أبناء الوطن، وتعمّق الإحساس بالقهر وتؤكّد استمرار المظلومية التاريخية.
لقد جرّبنا المكابرة وتجاهل المبادرات المسئولة من قوى المجتمع المدني، والتزمنا بسياسة الهروب من الحل، ولففنا ودُرْنا حول أنفسنا سبع سنوات، وجرّبنا أخيرا الاستماع للنصائح المغشوشة بممارسة لعبة العلاقات العامة، وهذه هي النتيجة... فهل وعينا الدرس؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2042 - الثلثاء 08 أبريل 2008م الموافق 01 ربيع الثاني 1429هـ