أن تبني كنيسة جديدة في أية عاصمة خليجية فهذا هو الحدث. أما أن يخرج أحد النواب المتعصبين في هولندا وينتج فيلما يصور المسلمين هكذا وبالجملة كأنهم مجموعة من الإرهابيين فذلك هو على النقيض مما يجري في هذه المساحة من جغرافية العالم الملتهبة.
الخليج لم يعد واحة منغلقة على المسلمين كما يصوّره البعض وبات في مقدور أبناء المذاهب المسيحية والديانات الأخرى ممارسة شعائرهم الدينية وهذا بحد ذاته خطوة للأمام ومؤشر إلى انفتاح هذه المجتمعات على الآخر، وعلى الوافدين والمهاجرين إليه تحديدا.فعدد المواطنين المسيحيين في دول الخليج يعدون على الأصابع، وهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من أبناء الدين المسيحي والديانات الأخرى القادمين من مختلف عواصم العالم بحثا عن العمل والرزق.
والحديث عن الأقليات هذه المرة يختص فقط بالمسيحيين والديانات في منطقة الخليج من باب الحريات الدينية التي تعهدت بها السفارات الأميركية وترفعه بشكل تقارير دورية لوزارة الخارجية التي تتعامل معه على أنها إحدى القضايا المدرجة على قائمة الشروط المطلوبة لتحسين العلاقات مع دول الخليج والعالم الثالث عموما.
معظم تقارير الدول الغربية والمنظمات الدولية ذات الشأن تثني على مسألة تمتع هذه الديانات بحرية العبادة وممارسة شعائرها الخاصة باستثناء السعودية وبعض الأصوات والتجمعات الإسلامية المتشددة مظهرة رفضها وتعصبها وعدم قبولها إقامة معابد للهندوس مثلا وغيرهم من الطوائف ممن يوضعون بخانة الأقليات المسيحية وطوائفها الرئيسية كالأرثوذكس والكاثوليك والموارنة والأقباط.
ثمة من يجاهر بالرأي ويصل إلى حد القول إن تلك الأقليات تنال حقوقها الدينية أكثر مما هو موجود في عدد من الدول العربية حيث يعيشون ويوجدون هناك بصفتهم مواطنين لا وافدين كما هو الحال في بلدان الخليج. كان منظرا جديدا على العين رؤية مبعوث من دول الفاتيكان يقص الشريط إيذانا بافتتاح أول كنيسة بالعاصمة القطرية (الدوحة)، من ضمن خمس كنائس سيتم تشييدها هناك، وإن كان المشهد اتخذ طابعا دعائيا ولكنه ليس الأول من نوعه في المنطقة الخليجية. بعد أسبوع من ذلك التاريخ كانت إمارة أبوظبي على موعد مع افتتاح كنيسة إنجيلية لتلحق بأخواتها في عموم دولة الإمارات .
ومن وحي هاتين المناسبتين سيكون استعراض واقع الكنائس بدول مجلس التعاون الخليجي يصب في إطار فكرة الإحاطة بهذا الموضوع الحيوي وذي الدلالة على تعايش الأديان في إطار من القوانين القائمة والتسامح بعد أن كانت معظم الأنشطة الكنسية في بعض الدول تتم بالخفاء قبل أن تنال الشرعية القانونية المعلنة.
رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود يروي أن الملك عبدالعزيز «كان مثالا للانفتاح على الآخر. فلم يكتفِ بذلك بل فتح الأبواب للخبراء الغربيين من الأوروبيين والأميركيين، وكفل لهم حرية العبادة داخل كنيسة في جدة في ما كان يسمى بيت القناصل، وقد كلفه الأمر ثورة السيلة العام 1929 ضده لأنه وقف لهم ونظر إلى الأمر نظرة تقدمية، لذلك إن التقدم الذي حدث في المملكة كان أساسه فكريا قبل أن يكون ماديا. هكذا نظر للخلفية التاريخية التي تربط المملكة بالغرب». وفي المعلومات المتداولة والحديثة أن الفاتيكان يجري مشاروات مع السعودية من أجل السماح ببناء كنيسة للكاثوليك الذين يصل تعدادهم إلى نحو 900 ألف كاثوليكي بالمملكة وهو مشروع مازال طي الكتمان.
والحقيقة إن الكويت كانت السبّاقة ضمن دول مجلس التعاون ببناء أول كنيسة وكان ذلك في العام 1931 وسميت «كنيسة المسيح» وكانت تقام بها الصلوات باللغتين الإنجليزية والعربية، والثانية كانت بمنطقة الأحمدي العام 1948. وتضم الكويت حاليا نحو عشر كنائس بينها مجمع الكنائس قرب الشيراتون بقلب العاصمة.
المحطة الأكبر هي الإمارات. فقد باتت من أكثر دول الخليج استقطابا للجاليات الأجنبية والمسيحيين والكنائس، وأحدث كنيسة تم افتتاحها يوم 23 مارس 2008 هي الكنيسة الإنجيلية بأبوظبي والخامسة على مستوى الإمارة بالإضافة إلى مركز للجالية الإنجيلية وكنيسة القديسة ماري في مدينة العين. وفي 9 سبتمبر 2007 وضع حجر الأساس بمنطقة اليرموك بإمارة الشارقة للكنيسة الأرثذوكسية الروسية وحضر الحفل عدد من القساوسة والمطارنة وجمع من أبناء الجالية الروسية بالإمارات، حيث قدر عدد الروم الأرثوذكس بنحو 100 ألف نسمة ينتمون إلى أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوزبكستان ومولدوفيا ورومانيا وبلغاريا وصربيا.
وربما تكون الإمارات الدولة الوحيدة على مستوى دول مجلس التعاون التي يوجد فيها معبدان للهندوس تتم إدارتهما من مبنى تجاري مؤجر بإمارة دبي حيث يستخدم من قبل طائفة السيخ. أيضا يوجد مدارس أبرشية مسيحية للتعليم الأساسي والثانوي في أربع إمارات حيث قامت إمارتا أبوظبي ودبي بمنح أراضٍ لمقابر مسيحية وأخرى من أبوظبي تخص الطائفة البهائية. ويوجد مرفقان لإحراق جثث الموتى ومقابرها لأتباع الطائفة الهندوسية في أبوظبي ودبي.
وفي نظرة للخريطة السكانية بالإمارات يتبيّن أن غير المواطنين يشكلون ما نسبته نحو 78 في المئة من السكان بحسب التعداد العام لسنة 2005، ويشكل المسلمون السنة نحو 85 في المئة تقريبا والمسلمون الشيعة النسبة المتبقية 15 في المئة. وبحسب تقرير وزاري واستنادا للتعداد الأخير للسكان، بلغت نسبة المسلمين 76 في المئة من مجموع السكان، وشكل المسيحيون 9 في المئة و15 في المئة لديانات أخرى. ولكن أرقاما غير رسمية تقدر أن 15 في المئة من السكان هم من الهندوس. وفي 25 أبريل/ نيسان 2007 حضر بابا الأقباط شنودة الثالث حفل افتتاح كنيسة الأقباط الجديدة في أبوظبي.
يذكر أنه وفقا للقوانين المعمول بها بالامارات يحق لأي شخص من أية ديانة تملك بيت أو شركة أو مصنع. وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن الهنود كانوا في 2007 أكثر نسبة من المشترين للعقارات في دبي. إذا، المواطنون الإماراتيون يمثلون أقلية فنسبتهم لا تزيد على 15 في المئة وهم مع العرب 25 في المئة فقط و60 في المئة هنود وآسيويون و15 في المئة من نحو 180 جنسية. هذا وقد بلغ عدد الكنائس بالإمارات 32 كنيسة، وهو رقم لا تجاريه فيها أية دولة خليجية. لذلك اعتبرت الإمارات من أكثر الدول الخليجية انفتاحا على الجالية المسيحية.
وفي البحرين، تقع أقدم كنيسة في الخليج أسسها الإنجيليون الأميركيون، هي الكنيسة الإنجيلية الوطنية، بروتستانتية، يعود تاريخ إنشاؤها إلى العام 1906، حسب ما ذكر سكرتير الكنيسة والجماعة العربية التابعة لها يوسف حيدر في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية. وتضم البحرين كنائس للكاثوليك والأرثوذكس ونحو ثلاثين كنيسة مسجلة رسميا للجاليات، ولكنها لا تملك مباني، بينها الكنيسة القبطية، ويقوم أتباع هذه الكنائس بممارسة شعائرهم في كنائس الطوائف الأخرى.ويصل عدد المسيحيين البحرينيين إلى نحو ألف شخص، وقد تم تعيين سيدة مسيحية بحرينية عضوا في مجلس الشورى هي أليس سمعان منذ التسعينيات.
أما في سلطنة عمان حيث لا تحتفط الحكومة بإحصاءات رسمية عن الانتماءات الدينية للسكان، فتوجد جاليات صغيرة من أصول هندية ومسيحيين حصلوا على الجنسية. وبحسب تقرير حرية الدين في السلطنة الصادر العام 2007 تشكل الديانات الأخرى نحو 5 في المئة من مجموع السكان البالغ 2.5 مليون نسمة، منهم البوذيون والهندوس والسيخ والمسيحيون، وهؤلاء يتمركزون في المناطق الحضرية في مسقط وصحار وصلالة ويمثلهم الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت. وهناك نحو 50 مجموعة وتجمعا مسيحيا في محافظة مسقط، وتعترف الحكومة بالكنيسة البروتستانية والأسقفية الكاثوليكية ومركز الأمانة الذي يعنى بشئون الطوائف المسيحية.
المشهد الكنسي في الخليج بات مشهدا متجانسا مع الآخر، والزائر لإحدى تلك العواصم في المناسبات الدينية سيسمع الأجراس وهي تقرع إيذانا بالاحتفالات.
العدد 2042 - الثلثاء 08 أبريل 2008م الموافق 01 ربيع الثاني 1429هـ