لقد حان وقت عمليات الإنقاذ!
بينما تزداد الأزمة الاقتصادية سوءا، أصبحت المصارف ومؤسسات الائتمان وشركات صناعة السيارات الضخمة وغيرها من الأعمال التي تعاني من أزمات، يائسة في أمسّ الحاجةإلى تدخّل الحكومة. وقد تم تبنّي سياسات مالية لتوزيع مليارات الدولارات لتحفيز المؤسسات من قبل الحكومات الأميركية والأوروبية.
تدخلت الصين واليابان وغيرهما من الدول الآسيوية لإنقاذ الصناعات المتدهورة ودعم المؤسسات المالية. ويعمل عدد من الحكومات العربية للحد من آثار الذوبان المالي العالمي على اقتصاداتها من خلال عمليات ضخ أموال ضخمة وحوافز مؤقتة وضمانات للأموال المودعة.
يريد الرئيس المنتخب باراك أوباما أن ينقذ صناعة السيارات الأميركية وهي على شفير الإفلاس. قامت إدارة الرئيس بوش بضخ 20 مليار دولار لإنقاذ مجموعة سيتي المالية المحاصرة بالديون والخسائر، وهي أكبر مجموعة مصرفية في العالم.
قبل بضعة أسابيع وافق الكونغرس الأميركي على حزمة إنقاذ بلغت 700 مليار دولار لشراء الديون المشكوك فيها من المصارف.
لم يتم بعد قياس الحجم الكامل للضرر الذي لحق بالاقتصاد العالمي.
هذه عاصفة ترفض أن تطير بعيدا، وقد أصبح من الواضح الآن أن الأزمة المالية سوف تستمر خلال معظم العام 2009.
أصبحت الحكومات هي الفارس الذي يلبس الدرع اللمّاع، يهاجم لينقذ مؤسسات الأعمال المتداعية. مازالت النهاية السعيدة لجميع هذه الأمور بعيدة، ولكن بينما تتعاون الدول وتوحّد قواها، سوف يتم احتواء الضرر، وسوف يتبع ذلك التعافي الاقتصادي. تلك هي طبيعة الاقتصاد العالمي، وهذا هو الأسلوب الذي يتوجب أن يعمل بها.
ولكن إذا كان العمل الجماعي يستطيع تحقيق النجاح في الاقتصاديات المضطربة، أليس من المفروض أن ينطبق الأمر نفسه على السياسة الدولية؟
لقد تحدّت إدارة الرئيس بوش، التي بدأ نجمها يأفل، واقع العولمة من خلال الإصرار على تصرف احادي في التعامل مع التحديات الإقليمية والعالمية، من محن الشرق الأوسط إلى مخاطر التغيّر المناخي. ونحن نرى بعد مرور ثماني سنوات نتيجة هذه السياسات قصيرة النظر. لا تستطيع الولايات المتحدة في أي مكان في العالم أن تدعي أنها نجحت في تعاملها الاحادي مع الأزمات.
لقد ألقت الأزمة المالية العالمية بظلالها القاتمة على حالات فشل أخرى في العراق وأفغانستان وكوريا الشمالية والقوقاز ووسط أوروبا وإفريقيا وأميركا الجنوبية.
يبرز النزاع الفلسطيني الإسرائيلي كمثال كلاسيكي على تقاليد أميركا البائسة في تطبيق سياسة خارجية احادية تنحاز إلى جانب دون الآخر وتتجاهل الرأي العام العالمي.
تحتاج منطقة الشرق الأوسط، بعد تهاوي عملية السلام، إلى حزمة إنقاذ سياسية تعطيها الأمل.
سيتوجب على الرئيس الجديد أن يتخذ قرارات صعبة في العراق وأفغانستان وإيران.
سيكون اختبار السياسة الخارجية الأصعب له، بطريقة أو بأخرى، هنا في الشرق الأوسط. ولكن بقدر الحاجة إلى توجه جديد للتعامل مع القضايا الصعبة، هناك حاجة كذلك لحزمة محفزة مصممة لإشراك أكبر عدد ممكن من الأطراف.
سيشكل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط أخبارا عظيمة لاقتصاد عالمي مصاب بالكبت.
سيساعد ذلك على إطلاق النمو ويعيد الثقة بالتأكيد بين المستثمرين وأصحاب الأعمال. ومما يدعو للسخرية أن عملية إيقاف التداعي الاقتصادي قد تبدأ في صحارى بلاد العرب وأودية منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وشواطئ الخليج العربي.
تلك هي الرسالة التي يجب أن يتم إيصالها إلى القيادة الجديدة في واشنطن.
يتوجب على القادة العرب أن يستخدموا هذه الفرصة ليضغطوا باتجاه صفقة جديدة في الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، لن يحصل تعافي الاقتصاد الأميركي بسرعة كافية إذا بقيت الولايات المتحدة متورطة في العراق وأفغانستان، وفشلت في تحقيق بعض الأمل في الأراضي المقدسة.
ستغير عملية إنقاذ سياسية تسعى لتحقيق تسوية شاملة لمشكلات المنطقة المزاج العالمي الكئيب وتوجد فرصا ووظائف وصفقات بمليارات الدولارات. ولكن لا يتوجب على واشنطن أن تقوم بها وحيدة. يجب عليها أن تتعلم من دروس السنوات الثمانية الماضية. يجب عليها أن تضم الأوروبيين، وأن تعطي دورا للروس والصينيين، وأن تصغي للزعماء العرب المعتدلين.
نحن لا نريد من الولايات المتحدة أن تدير ظهرها على هذه المنطقة في هذه الأوقات الحرجة. ولكن يتوجب عليها أن تدعو الآخرين للمشاركة في تحويل هذه المنطقة إلى أرض الميعاد، وتطلق القصة الاقتصادية التالية الكبرى. يستطيع باراك أوباما أن يقدّر الرمزيّة في ربط السلام بالفرص، والأمل بالتغيير الحقيقي في الشرق الأوسط.
على رغم أن الرئيس الجديد سيكرس الشهور الأولى من فترته الرئاسية للتعامل مع مشكلات أميركا الاقتصادية، إلا أنه يتوجب على مستشاريه وحلفائه الخارجيين أن يبرزوا أهمية إطلاق عملية إنقاذ سياسية لواحدة من أكثر المناطق اضطرابا وعدم استقرار في العالم اليوم. وتقع المشكلة الفلسطينية في قلب هذه الأوضاع، وهي تستجدي إعطاءها بعض الاهتمام الجاد بعد عقود من الحروب والنزاع وصفقات السلام الناقصة واليأس.
ستمهد عملية إنقاذ لعملية السلام الطريق لحل تحديات أخرى في العراق وإيران وغيرهما. نحن بحاجة إلى توجه جماعي والتزام متعدد الوجوه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإطلاق المرحلة الأولى من إنعاش اقتصادي عالمي.
* ناشر مخضرم ومعلق مركزه الأردن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2294 - الثلثاء 16 ديسمبر 2008م الموافق 17 ذي الحجة 1429هـ