العدد 2040 - الأحد 06 أبريل 2008م الموافق 29 ربيع الاول 1429هـ

العراق ليس في جيب واشنطن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما يجب أنْ يُقرأ أو يُذكر في الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة البصرة وغيرها من المدن العراقية الأخرى من مواجهات عنيفة بين التيار الصدري والقوّات العراقية والأميركية ليس إرهاصاتها بقدر الالتفات إلى خواتيمها . لماذا ؟ لأنّ الجميع يعلم بأن ما تمّ بين التيار الصدري وحكومة الائتلاف قُبيل إقرار خطة فرض القانون لم يكن أكثر من وساطة قادها رئيس الوزراء نوري المالكي بين هذا التيار وبين قائد القوّات الأميركية في العراق ديفيد بتريوس يتمّ بموجبها التغاضي عن سلاح الصدريين واستحقاقاته وعلاقاتهم الخاصة بإيران، وأيضا هي حاصل طبيعي (أي المعارك) لتعدد مسمّيات الصدريين وتمثلاتهم الحزبية، وبالتالي فإنّ ما حصل لم يكن أكثر من نتيجة كانت مقدّماتها تعتمل لمدة عام كامل أو أزيد .

ما حدث في مدن عراقية مختلفة من مواجهة شرسة بين التيار الصدري ممثلا في ذراعه العسكرية « جيش المهدي « وبين القوات العسكرية العراقية والأميركية قد يُفسّر من خلال خطين متوازين، الأوّل يتعلّق بتفسـير تلك الأحـداث « بخلاصات تنظيمية للتيار الصدري « والآخر يتعلّق بـ « قيمومة « إيرانية على مساحات واسعة داخل الشأن السياسي والثقافي والديني العراقي وخصوصا الشيعي منه .

العارفون بالتيار الصدري يُدركون أنّ هذا التيار قد تشكّل بفعل الهوامش البشرية الممتدة من الموصل وحتى جنوب العراق منذ أنْ أدرك آية الله السيد محمد محمد صادق الصدر (1943 1999) أنه الوريث الوحيد للإرث الصدري الكاريزمي الذي كان متمثلا تاريخيا في المرجع الديني الكبير السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قد) . ولأنّ هذا التيار قد استظلّت به مجاميع غفيرة من شيعة العراق فقد تعذّر ضبطه على الطريقة الحزبية والتنظيمية المعروفة، وبعد سقوط العاصمة العراقية بغداد في 9 إبريل/نيسان 2003 كان التيار الصدري متمايزا في مواقفه السياسية من جهتين، الأولى أنه كان يُمثل المعارضة للحكم البعثي في الداخل العراقي طيلة الفترة الصعبة التي أعقبت حرب الخليج الثانية والحصار الأميركي الظالم على الشعب العراقي، وثانيا أنه انفرد بموقف حدّي ومناكف للوجود الأميركي داخل العراق . بُعيد المعارك الطاحنة التي خاضها جيش المهدي مع حكومة إياد علاوي المؤقتة في مدينة النجف الأشرف كان التيار قد ضمّ في صفوفه فسيفساء غير مستقرة سياسيا ونفسيا على مرجعية محددة سوى مقاتلة المحتل وتصفية الحساب مع أحزاب عراقية كالمجلس الأعلى بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم الذي كان يعتبره المناكف الأبرز لدور الصدر الثاني في عقد التسعينات . لذا فلم يستطع التيار الصدري الإمساك بمَنْ تشظّى منه كجماعة أبي سجّاد وأحمد الشريفي وعدنان الشحماني وهو التشظي الذي بدأت بواكيره تظهر بعد تفجير المرقدين العسكريين في فبراير/شباط 2006 ثم بعد قرار التجميد الأوّل لعمليات جيش المهدي، كما أنه لم يستطع غربلة صفوفه العسكرية لإخراج أكثر من أربعين عصابة إجرامية دخلت في صفوف جيش المهدي إلاّ بالحديد والنار كما يذكر ذلك أحد قيادات التيار الصدري . وربما لا يدرك الكثير من المراقبين من أنّ جيش المهدي ليس كما يُشاع عنه بأنه لا يمتلك أيّ خبرات عسكرية وتدريبية؛ فهو جيش يحظى بكفاءات عسكرية نوعية حصل عليها بعد أن تطوع عددٌ كبيرٌ من ضباط الجيش العراقي المنحل على تدريب أعضاء هذا الجيش العقائدي منذ إبريل 2004، وهو ما أكّدته المعارك التي دارت رحاها في الفلوجة قبل أربعة أعوام والتي شارك فيها جيش المهدي بقوّة وأثبت قدرته على المواجهة المباشرة .

خلال معركة البصرة الأخيرة كانت الأحداث تشير إلى أنّ القضية مُركّبة ومعقدة في آن واحد، فالجماعات التي انشقت عن التيار الصدري والتي بلغ عددها اثني عشر فصيلا بدأت في التمثّل البشري والعسكري والسياسي (التجمّع العراقي الوطني مثالا) وكانت تخوض معارك مزدوجة، تتحالف مع بعضها بعضا عندما يتعلّق الأمر بالسيطرة على مدينة البصرة وتتخالف مع بعضها بعضا عندما يتعلّق الموضوع بآليات التحرك العسكري والسياسي، وكان السيد مقتدى الصدر حينها يُدرك بأنّ تقليم أظافر ذلك التشظّي يصب في صالحه في نهاية الأمر لكنه يُدرك أيضا أنّ الحد الفاصل بين تلك الفصائل المنشقة وبين جيوبه الموالية تبدو صعبة للغاية، لذا فهو قد غضّ الطرف عن العمليات التي كانت تقوم بها قوّات المالكي ضد تلك الجماعات في البصرة في بداية الأمر لكنه أمسك بالمبادرة من جديد بعد دخول القوّات الأميركية على الخط وقصفها مواقع في البصرة، وهي الخطوة التي كانت تُمثّل الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته حكومة المالكي، فالقوّات الأميركية بالنسبة للتيار الصدري بشتى مشاربه هي قوات معادية وتجب مقاتلتها ومواجهتها، وهو ما جعل المواجهات تمتد إلى العديد من المدن العراقية، ويتعاظم الخلاف الذي كان قائما بين التيار الصدري والمالكي .

ضمن هذه النقطة بدأت ملامح القضية تبدو وكأنها خارجة عن السيطرة، وكان لزاما أنْ تظهر وساطة ما لحلحلة القضية، وهو ما أفسح المجال أمام الإيرانيين لأنْ يدخلوا بقوّة في هذه المعركة، وربما كان موقف آية الله الشيخ أحمد جنتي أمين عام مجلس صيانة الدستور بالجمهورية الإسلامية خلال خطبة الجمعة (28 مارس/آذار الماضي) أوّل موقف إيراني رسمي في هذا المجال عندما قال جنتي « أقول للقوات الشعبية المسلحة (جيش المهدي) التي جاءت إلى البصرة ووجهت البندقية إلى هذا الشخص أو ذاك، يا أخي إذا كان لديك ما تقوله تعال واجلس مع الحكومة، الحكومة تحظى بالشعبية وكذلك أنتم « .

وبعد قيام أربعين ضابطا من القوّات العراقية ومعهم ألف من الجنود بتسليم أسلحتهم لمكاتب الشهيد الصدر في البصرة طلب المالكي ممثلا عن حزب الدعوة الإسلامية والشيخ همام حمودي ممثلا عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي من الإيرانيين التوسّط لدى الصدر لوضع حد لهذه المعارك، وبشكل موازٍ طلبوا أيضا من المرجع الديني آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري الذي يدرس الصدر لديه في مدينة قم المقدسة بناء على وصية والده ممارسة الدورنفسه (راجع بيان السيد الحائري المؤرخ في 21 ربيع الأوّل 1429 هـ) . وهو ما مهّد الطريق لتسوية من نوع خاص نهايتها « لا غالب ولا مغلوب « في المعارك الأخيرة، وهو ما يعني أنّ التيار الصدري في قيادته الأم قد كسب معركة تقليم أظافر المنشقين عنه، وفي الوقت نفسه حافظ على سلاحه الخفيف والثقيل من المصادرة لتبدأ هدنة غير معلومة وغير مشروطة بينه وبين الحكومة العراقية والقوّات الأميركية، وأيضا احتفظ لنفسه بمكانة جديدة بعد امتداد وجوده السياسي إلى خارج العراق، كما أنه لم يُجرّم من قبل المرجعية النجفية المتمثلة في آية الله العظمى السيد علي السيستاني بعد استمرائه الحياد خلال تلك المعركة . وفي النهاية ربح الإيرانيون أيضا بقاء السلاح في يد الصدريين لتسخيره ضد الوجود الأميركي، وكذلك ظهورهم على أنهم النافذ الأوّل والأخير داخل العراق وليس أحدا آخر ممن يملكون مئة وأربعين ألفا من الجنود .

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2040 - الأحد 06 أبريل 2008م الموافق 29 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً