الباحث الرصين والمحلل السياسي الألمعي الزميل الفاضل محمد صادق الحسيني ربما قدم لنا في مقاله «إيران اليوم... بين عنصرية أبطحي وإسلامية أحمدي نجاد» أنموذجا رائعا ومثالا يحتذى به لمقتضيات وأصول الحوار الموضوعي الجاد مع الآخر وفي التعاطي مع حقيقة المشهد والوضع الإيراني، حيث انتقد صراحة وعرى بعض طغمة المسئولين الإيرانيين من زيف تعممهم وورعهم/ عورهم السياسي، فهم الذين لطالما عرفوا واشتهروا بشوفينيتهم و«قومجيتهم»وشعوبيتهم الكارهة والطاردة للآخر وإن اشترك معهم في الدين والمذهب والهوية الإنسانية وعلى رأسهم مساعد الرئيس الإيراني الأسبق محمد أبطحي، الذي عرفه المشاهد العربي والمسلم بمقولته ذائعة الصيت «لولا إيران لما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية احتلال أفغانستان واحتلال العراق»، والتي أظهرت للأسف وجها قبيحا لا يليق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، وذلك قبل أن يعرف القراء عن إساءته العنصرية الفجة والمتجنية على أمين عام منتدى الحوار العربي الإيراني محمد صادق الحسيني.
الحسيني أثبت لنا سلوكا حواريا راقيا حينما احترم ذكاء القارئ العربي الذي ينبغي أن يكون في الأساس مقتضى من مقتضيات الاعتراف والانكشاف المتبادل إلى جانب نقد المعوقات الداخلية وأسباب الخلل والنقص العقدية والسياسية التي تعرقل تجلي واكتمال سيرورات الحوار الأممي في صيغته الحضارية العميقة والمنشودة، والحسيني ربما ومن دون شك قد تناقض في أسلوبه ونمطه الموضوعي هذا مع الكثير من الإخوة الكتاب والزملاء الأفاضل الذين لم يترددوا في اعتبار الجمهورية الإيرانية الإسلامية بمثابة «المدينة الفاضلة» وربما لولا موانع تدينهم وإسلاميتهم لربما وضعوها في مقام جنة عدن الموعودة لــ»المؤمنين».
وعلى العكس من الحسيني وعكس الكثير من الكتاب الإيرانيين المنصفين دأب زملاء أفاضل على الإسراف والإسفاف المبهر في الترويج والتلميع للنموذج النهضوي الإيراني الحاضر بقوة في المنطقة كقوة إقليمية واعدة على شتى المجالات والأصعدة بعيدا عن تناول الأزمات والمعوقات والمعضلات الداخلية التي يواجهها هذا «النموذج الإيراني المطلوب»، كما أنهم لم يملوا يوما من دغدغة العواطف الشعبوية وحتى الشعوبية وبالتالي المساهمة المتينة في تغذية وتنمية نوع من «الاستحمار الشعبوي الطائفي والإثني» الذي يتربص بالمرصاد بمن يوجه قيد أنملة من الانتقاد الصادق والمشروع للنظام الإيراني أو لأي شيء قابل أن يكون إيرانيا وكأنما شعار مثل هذه الحساسية الجماعية الوبائية حيال الموقف من النظام الإيراني هو «أحبك يا خالي فيك ريحة أمي».
لن أبالغ لو قلت إن جل هؤلاء مرتهنون وأسارى لمزيج طائفي طافٍ ولسمة من الاغتراف المشترك من خليج الأحقاد والكراهات التاريخية المتبادلة، ولو أن إيران اكتشفت على سبيل المثال زعفرانا نوويا أو بصلا من الممكن زراعته من دون غرسه أرضا فإنهم لا ولن ينأون أبدا عن توجيه أشد أنواع الشتم والتسقيط بحق مفردة «العروبة» وما يرتبط بها ولو كانت فكرا عمليا أو حتى حلما شهيا لم يشهد اليقظة، وإن كانوا قد تطرقوا في شتمهم وسبابهم ذاك إلى تجارب أنظمة فردية ومستبدة وخائنة لم تعرف من العروبة ولا حتى من مشروعية الأيديولوجيا شيئا وإن كانت قد تاجرت بهما كثيرا، وهذا الاستهداف السافر للعروبة نفسه قد لا يتجرأ عليه الكتاب الإيرانيون أنفسهم في ما قد يحرجهم ويعرضهم للابتزاز في حق الكثير من أزماتهم وقضاياهم الداخلية.
لأمثال هؤلاء الكتبة الشعبويين أيضا وجوه غاية في الاستبشار والتآلف والتبسم فيما لو استهدف جندي صهيوني بنير مقاتل بطل من حزب الله، في حين أن تلك الوجوه تتقعر وقد تتكسر قطعا من فخار فيما لو قتل أو أسر مقاوم عراقي باسل جنديا من جنود الاحتلال الأميريكي ومرتزقته في جمهورية «المنطقة الخضراء» وهو من دون شك أحد أكثر أشكال التمذهب والطائفية السياسية وقاحة والتي قد فاحت عفونتها ونتنها، وإن أتت من ليبرالي وحداثي قدير، وهم لا يعرفون مواقف مرنة ومتزنة كموقف الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود حينما رحب بقيام حزب الله بأسر الجنود الصهاينة ودعم مبدأ مقاومته البطلة تجاه الصهاينة إلا أنه أشار واستدرك إلى أن موعد أي نقد عقلاني وصادق لخطوات حزب الله ونواياها ونتائجها وتداعياتها السلبية المحتملة على لبنان إنما يأتي بعد المعركة وليس أثنائها لكي لا يسهم في إثخان وتشويش جبهة الممانعة.
آمنا بأن حزب الله المدعوم بقوة من قبل النظام الإيراني يتصدى ببسالة استشهادية منقطعة النظير لمشروع الشرق الأوسط الجديد وذلك على العكس جذريا من أنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن المتواطئة حد النخاع من المطامح والمشاريع التي أصبحت وقائع إمبريالية، وآمنا بأن هناك من العنصريين والشوفينيين العرب بيننا كأشقائهم الإيرانيين ممن يثيرون القرف والتقزز، وآمنا بغياب الموقف والمشروع والنموذج العربي الوحدوي تجاه مختلف الأزمات والقضايا الملمة بالمنطقة، وآمنا بأن موضوع «إيران والإيرانيين» قد ابتذل كثيرا حينما استغل في بلادنا في مجالات التكامل والتنسيق الاستراتيجي المشترك على صعيد خارجي في حين تم تطويعه محليا لإثارة البلبلة والتشويش والتخوين والتشطير الطائفي للمجتمع وذلك من قبل «العوية» و»المنكسرة»... ولكنني بصراحة لم أسمع في حياتي قط بوجود فتوى لعالم من العلماء الأجلاء أو مرجع من المراجع الكرام تقر بأن أي انتقاد لإيران والإيرانيين يبطل الصيام أو ينقض الوضوء والطهارة الشرعية، كما لم ولن أؤمن بممكنات حوارية مقبولة طالما لم يعمها الاحترام المتبادل والاعتراف بالخلل والزلل الشكلي والجوهري من قبل مختلف الأطراف الداخلة فيها.
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2040 - الأحد 06 أبريل 2008م الموافق 29 ربيع الاول 1429هـ