تنضح الساحة البحرينية بالكثير من القادة الدينيين الذين شقوا مشوارهم عبر التسلّق بالدين الحنيف. وبدأوا بالتحريم والتكفير والتجريم، ورسموا سياسة في استغلال الدين واستثماره بطريقة بشعة، فهناك الكثير من المرتزقة ببعض الجمعيات الدينية الذين أثبتوا لنا استثمارهم الشنيع للدين، وكان نتيجة الاستثمار بيتا وأرضا وسيّارة فاخرة ومنصبا مهمّا!
هناك مَنْ استخدم وسيلة المنبر و»تشييش» الناس على الحكومة حتى وصل إلى مبتغاه وثم نسى الناس! وهناك من استخدم مكتبه الخاص بفرع الجمعية الدينية التي ينتمي إليها داخل الوزارة ووصل بالفعل؛ ليكون ذا شأن عظيم في الدولة، وهناك من استخدم وسيلة الزهد والمسجد والثوب القصير... وكلّها وسائل ساعدت هؤلاء على استغلال الدين.
لقد مرّ أهل البحرين بفترات ساخنة أكثرها شرا كان الاستثمار الديني من أجل مآرب مصلحية أخرى. لا ننسى ذلك الشيخ الذي وقف على المنبر وأخذ يُناشد بأعلى صوته عن إغلاق الحكّام أبوابهم عن الناس، وهو أوّل مَنْ يقتات من الوقوف على تلك الأبواب! إن هذا الهدم الاجتماعي للقيم والمعايير له تأثيره السيئ في زعزعة الثقة في المؤسسة الدينية خصوصا بعد أن قامت بعض القوى السياسية في مجلس النواب بكسر حاجز البرلمان (كصوت للشعب إلى حماية للوزير).
هذه الشعارات وهذه التحريمات التي يقول عنها أحد الأخوة الوجهاء: «الحرام ما حرمنا منه، والحلال ما أحل في يدنا»! ففي يوم من الأيام كان التصوير حراما وسماع الأغاني حراما، وإطالة الثوب وتقصير اللحى حراما، والأدهى من ذلك حث الناس على عظم تجاوز الحدود الحمراء في قضايا التحريم كالتزوير والرشوة والكذب، ولكن عندما درسوا الوضع واصطدمت مصالحهم بمقاصد الدين استثمروه بطريقة بشعة وأحلّوه لهم ولغيرهم من باب «درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح».
كان لبعض المؤسسات الدينية في السابق أهمية كبيرة وقوّة كذلك، والسبب هو معايير اختيار الأئمّة التي لا نجد فيها مطابقات اليوم، فلقد كان الإمام يتخرج من إحدى الجامعات عالما قارئا مُلما بأصول دينه وعقيدته، وكذلك زاهدا يعلّم الناس ويكون أوّلهم في التطبيق. أمّا الآنَ، نجد الكثير من المستثمرين يقرأون كتابين عن أصول الدين والفقه والعقيدة ويدرّسون الناس ويتشددون في لهجتهم، وما أنْ يصلوا الى رتبة وزير أو وكيل أو مدير أو قاض... تسقط الشعارات و تذهب هباء منثورا. ويتعثر المواطن العادي الذي تبع ذلك القائد المزيّف، ويبدأ في اللعن والسب والشتم على هذا وذاك. وتتأزم الفجوة عندما تسقط القيم المجتمعية بتأثير تكوين البصيرة حول وهم القيادة المزيفة، والتي تزيد من المشكلات الاجتماعية. أصبح على المواطن في الأيام المقبلة أنْ يتوجّه بسؤال الشيخ عن الجامعة التي تخرّج منها، حتى يتأكّد من مصداقيته وإلمامه بعلوم الدين.
انّ الاستثمار الديني البشع غطى على الاستثمار المالي والبشري والاقتصادي والتنموي، وتراكمت هموم المواطنين في تراجع الثقة ببعض المراكز الدينية. الا انّ هناك نظرة تفاؤلية في هذا الموضوع من خلال انكشاف الغطاء عن هؤلاء القادة المستثمرين، حيث بدأ الجمهور البحريني باستيعاب اللعبة ومعرفة أبعاد الطائفية التي قسّمت الأسرة البحرينية الى فريقين سنّي وشيعي، ويعمل الناس الآنَ على عدم الاستجابة الى ما يريده هؤلاء القادة من إثارة للطائفية.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2039 - السبت 05 أبريل 2008م الموافق 28 ربيع الاول 1429هـ