المشاهير سلطة جديدة أدخلها التلفزيون إلى بيوتنا من حيث لا نعلم، فبداية من أعمالهم الخيرية مرورا بصيحات وتقليعات الموضة التي يروجون لها، وصولا إلى عثراتهم وأخطائهم... جميعها اليوم أمور تدخل بيوتنا من شباك صغير اسمه التلفاز. هذه الوجوه الشهيرة تصنع بسلطة نجوميتها، من جيل يعاني الفراغ، جيلا يحتذي بها ويعتبرها قدوة له، ويهدف هؤلاء الشبان من تقليدها إلى أن يحاكوا نجاحها وبهرجة حياتها ولو لفترة قصيرة.
وعلى رغم أن الكثيرين مازالوا يتفاءلون بأن المشاهد العربي، وتحديدا جيل الشباب العرب، لم يصلوا إلى ما وصل إليه جيل الشباب في أميركا مثلا من هوس بنجومه ومشاهيره، وعلى رغم أن الشاب العربي أيضا بات يعاني من الفراغ الذي يؤدي بالكثيرين إلى اختيار مستوى متدن من القدوات والمثل، فإن هوس النجوم لم يعد مرضا أوروبيا أو أميركيا، فكثيرون هم من يقلدون نجومهم، ويسعون إلى تقمص أشكالهم وما يعرفون عن طباعهم، ويتتبعون أخبارهم بأدق تفاصيلها، ما كبر منها وما صغر.
أما المشاهير الأجانب أمثال بريتني سبيرز، وباريس هلتون، وتوم كروز، والأميرة ديانا، وغيرهم الكثير من الأسماء التي تنتمي إلى مختلف أنواع الشهرة، فإن ما نسمعه عن أفعال معجبيهم قد يصل إلى أي مكان، بل أنه قد يتخطى الكثير من الحدود ليصل إلى الهوس بالمشهور.
فأميرة ويلز والزوجة السابقة لولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، الأميرة ديانا، التي توفيت في حادث سيارة، فقد تحول موقع الحادث إلى مزار يقصده معجبوها ومحبوها على رغم الوقت الطويل الذي مر على الحادث.
ولا يقتصر الهوس أو الإعجاب بالمشاهير أصحاب الأعمال الخيرية الذين يستحقون الوقوف عند أعمالهم وإنجازاتهم، فغالبية المهوسين من الشبان الأجانب يقتدون ويتعلقون بأحد نجوم الغناء أو التمثيل، أو حتى أحد المشاهير الأثرياء الذين يعيشون حياة مليئة بالإثارة والطيش.
ولعل اتخاذ قدوة أو مثل يحتذي به الشخص أو يحاول أن يسير على خطاه أمر حسن، وخصوصا إن كان من المشاهير المساهمين في أعمال تهدف إلى الارتقاء والتطوير، أو إلى التعاون ومساعدة من يحتاجون إلى العون، غير أن الإشكال يظهر عندما ينشأ جيل يتمثل ويقتدي بأشخاص، عبثهم أكثر من حسنِ كلامهم، ومشكلاتهم أكثر من عدد أيامهم، وأشكالهم لا تمتلك من الحقيقي أي شيء، فهم ألوان مستحضرات وعمليات تجميل، وجهد مصورين لإظهارهم بما يرونه كمالا للشكل.
ويتعقد الإشكال عندما يخوض هؤلاء المشاهير في مشكلات تتصل بالإدمان والانحراف والتعدي على الآخرين، وتبدأ وسائل الإعلام بأشكالها مسموعة ومرئية ومكتوبة بالترويج للنجم، من خلال تكرارها وعرضها لأدق تفاصيل فضيحته، حتى أنها قد تفرغ صفحات وصفحات لخلاف تافه ما بين نجمين، وكأن هذا الخلاف سيؤثر على الأمن القومي لبلديهما، مما يصنع من مشكلة النجم قضية عامة وضخمة، وبالتالي تستقطب الأنظار باتجاهه.
أما الأكثر تعقيدا هو عندما يقع خطأ من قبل أحد هؤلاء المشاهير، ويتساهل القانون معه بسبب شهرته وثرائه، وكما العادة تلعب وسائل الإعلام لعبتها في عرض القضية والعقاب المخفف أو المرفه للنجم، وكأنما تقول للمتتبعين وخصوصا من جيل الشباب، إن الشهرة ستجعل من خطئك أمرا محمودا، بل قد يتحول إلى وسيلة لشهرتك، فأية قدوة في هذه القدوة؟!
ولا ينتهي إشكال القدوة الشهيرة المشوبة بالبهرجة والزيف اليوم بالمشكلات والأقنعة ودعايات وسائل الإعلام، فبعض النجوم يلجأ إلى تبني مواقف سياسية أو دينية أو أخلاقية ليروج لمنتج أو فيلم أو مسلسل أو أي عمل يؤديه، في حين تكتنز صحف المجلات بفضائح سهراته ومشكلاته وشجاراته.
والغريب في مسألة الهوس بالمشاهير، واتخاذهم قدوة من قبل الشباب، أن الكثير من جيل المراهقين اليوم يطلون جدران غرفهم بصور فنانيهم ومشاهيرهم، في حين أنه من الصعب أن نجد لدى أحدهم صورة لوالده ووالدته معلقة على الحائط!
العدد 2038 - الجمعة 04 أبريل 2008م الموافق 27 ربيع الاول 1429هـ