يلتقي محافظو المصارف المركزية الخليجية في الأسبوع المقبل لمناقشة إمكان الإبقاء على خطط الوحدة النقدية الخليجية في مسارها الصحيح. وتتوقع العديد من المصادر أن يركز الاجتماع على خطط كبح معدلات التضخم، من جراء التراجع الذي يجتاح سعر الدولار المترافق مع انخفاض أسعار الفائدة.
فقد بات معروفا أن رياح تضخم عاتية قد عصفت بالاقتصاد الخليجي خلال الأشهر السبعة التي أعقبت آخر اجتماع لمحافظي البنوك المركزية الخليجية من جراء انخفاض أسعار الدولار أمام العملات العالمية مثل اليورو والين.
وقد حذرت الاقتصادية في دويتشه بنك كارولين جرادي من هذه الظاهرة قائلة لقد «تزايدت بالتأكيد في الأشهر السبعة الماضية صعوبة الإبقاء على الوضع القائم، مضيفة أن التضخم هو على الأرجح أكبر المخاطر على الاقتصاد الكلي. وستتركز المناقشات على التضخم لأنه القضية الأكثر أهمية والعملة الموحدة مازالت بعيدة المنال».
ويقول الاقتصاديون أن ارتفاع التضخم واضطرابات العملات من المرجح أن تبعد محافظي البنوك المركزية عن جدول الأعمال الرسمي في اجتماعهم الذي يعقد مرتين كل عام. وتتزايد الخلافات بين دول الخليج بشأن كيفية معالجة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 27 عاما عند 8.7 في المئة في السعودية، وأعلى مستوياته في 19 عاما عند 9.3 في المئة في الإمارات، وأقل قليلا من أعلى مستوياته على الإطلاق عند 13.7 في المئة في قطر.
وفي إطار سعيها لاحتواء التضخم المدفوع جزئيا بربط عملاتها بالدولار شددت دول الخليج القيود على الإقراض وزادت الدعم وخفضت الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة وفرضت قيودا على نمو الإيجارات وقيودا أخرى على الأسعار.
وهناك العديد من التعريفات للتضخم من بينها ما جاء في قاموس (Webster) الذي يعرف التضخم بأنه «الارتفاع المستمر في أسعار المستهلك، أو الانخفاض في القوة الشرائية للنقود، بسبب زيادتها وزيادة الائتمان المقابل للسلع والخدمات المتاحة».
ويبدو أن التضخم قد أصبح هاجسا عالميا مشتركا في الأوساط المالية العالمية، فأبدى محافظو البنوك المركزية في الدول الصناعية والنامية قبل أيام، مخاوفهم من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة الذي يمثل أحدث تحد كبير يواجهونه في الوقت الذي تخل فيه العولمة بتوازن العرض والطلب.
وفي مؤتمر عقد في باريس سلط محافظو البنوك المركزية من قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين والهند ومن دول صناعية في أوروبا وأمريكا الضوء على مخاطر ارتفاع التضخم بعد عقد اتسم بالاعتدال. وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه أن «الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأولية بما في ذلك المواد الغذائية، الذي ينجم بصفة خاصة عن عجز العرض عن مجاراة الطلب الأعلى من الأسواق الناشئة يذكرنا بأنه من الممكن أن تؤدي العولمة إلى مخاطر صعودية للتضخم العالمي». أما نائب رئيس صندوق النقد الدولي جون ليبسكي فقد أكد إنه لا يرى أن أسعار السلع الأولية ستتراجع قريبا. في الوقت ذاته، أظهرت إحصاءات رسمية أن التضخم يجتاح أيضا الأسواق الناشئة ذات الاقتصاد الصحي مثل الصين الذي سجل 7.1 في المئة وهو أعلى مستوى منذ 11 عاما، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه، بينما بلغ معدل التضخم في الهند نحو 5 في المئة . وارتفعت أيضا أسعار الغذاء والطاقة في العالم المتقدم وتجاوز التضخم في الولايات المتحدة 4 في المئة، وبلغ 3.2 في المئة في منطقة اليورو.
حالة خاصة تعيشها المؤسسات المالية الإسلامية. هذا ما ذهب إليه مقال محمد الهمزاني الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية وفيه تحذير أكاديميين وخبراء في الصيرفة الإسلامية «من خطورة الوضع الراهن للسوق الائتمانية في دول الخليج العربي والسعودية، وما تتجه إليه البنوك التقليدية والإسلامية نحو ضخ مزيد من السيولة غير المدروسة».
واعتبر الخبراء، كما يقول الهمزاني «ما تقوم به بعض البنوك التقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية من توفير السيولة النقدية للأفراد مؤشرا خطيرا قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية وإقليمية، خاصة أن هذه السيولة التي توفرها بعض المصارف الإسلامية أو التقليدية (صورية) وليست حقيقية».
من جانبه يرى الأمين العام للمجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية عز الدين خوجة «إن توجه المصارف الإسلامية وغيرها نحو تمويل الأفراد وبطريقة غير مدروسة من شأنه أن يقود إلى أزمة تضخم كبيرة جدا، «وهي قريبة جدا من الحدوث»، مشيرا إلى أن معظم التمويلات التي تقوم بها البنوك حاليا هي موجة للسلع الاستهلاكية.
وطالب الخوجة «البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بأن تقوم البنوك الإسلامية بدورها الذي يضبط العامل الأخلاقي والشرعي، وأن تكون بنوك استثمارية تعتمد على الاستثمار وتنمية المجتمعات وليس التسبب في الانتكاسات الاقتصادية الخطيرة كالتضخم مثلا».
من جهته أوضح عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية «أن بعض البنوك الإسلامية باتت تقرض حتى من ليس لديه حاجة للمال، أو من يرغب في صرف المال في سلع استهلاكية غير مجدية وتسبب في ارتفاع الأسعار وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم في أي بلد كان».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2038 - الجمعة 04 أبريل 2008م الموافق 27 ربيع الاول 1429هـ