نماذج كثيرة من البشر يمرون علينا، هناك المتفائل وهناك المتشائم، وهناك أيضا مَنْ يمتهن (الإحباط) وبجدارة!
ليس؛ لأنه محبط، وإنما لأنّ هذا الطبع متأصّل فيه يستخدمه أينما يكن وحيثما يكن ولأيّ موضوع وفي أيّ موضع. يوجّه إليك أصابع الانتقاد في أيّ عمل تقوم به ... يسعى لإيجاد أيّ ثغرة أو أيّ خلل في عملك المنجز؛ ليتولى توجيه انتقاد لاذع يقلل من قيمة العمل، لا يقوم بهذا العمل بدافع التسلية، وإنما بحرفنة كبيرة ... لأنه يُخالفك دائما حتى وإن كان على قناعة تامة بأنّ ما تقوله أو تفعله صحيح، تراه يُدافع عن أخطائه ويقلبها إلى فضائل، وإنْ دخلت معه في نقاش تصبح أنت الخاسر الأكبر؛ لأنك أقل خبرة وأقل وعيا، ولأنّ الحياة لم تعطك إلا القليل، بينما أغدقت عليه الحياة بكثير من التجارب التي يستطيع من خلالها توجيه الآخرين وانتقاصهم والتقليل من قيمهم.
صاحبنا هذا ... لو تجرأتَ يوما يعني بتوجيه انتقاد له أو محاولة بث روح الإحباط فيه كما يفعل هو ... تراه يُدافع باستماتة عما يقوم به ... لا ... بل قد يصل الأمر إلى الزعل المبالغ فيه ... وقد يضعك في قائمة (البلاك ليست)؛ لأنك أساسا لا تفهم.
صديقنا (المُحبِط) تراه ساكتا صامتا غارقا في تأمل ما تقوم به وتنجزه من أعمال، وما أنْ تهفو ولو هفوة بسيطة تجده أمامك بالمرصاد، يُعاتبك ويوجّه إليك سيلا من التهم كونك لا تفهم ولا تأخذ بالتعلم ولا تستشير.
ترى شخصيته محددة، لا يعجبه العجب ... ولا ينال استحسانه شيئا، وقاعدته في الحياة «خالف تُعرف»، يخالفك في أيّ شيء حتى في الأشياء البديهية، بحجّة أنه يفهم أكثر مما تفهم.
هذا النموذج -المُزعج- يفرض نفسه علينا، نسكت عنه إما بسبب درجة القربى أو السن، وهو لا يُمارس ما يُمارس إلا مع الطيبين؛ لأنهم ما (يمدون بوزهم) حيال إحباطاته المتكررة، ولو انعكس الوضع وتوجّهت له بالانتقاد في أيّ أمر كان، فإنه يُلاقيك بالويل والثبور ويستنكر عليك انتقادك، حتى وإن كان مقتنعا تماما من وجهة نظرك.
الله يكافينا شر المحبطين، ويبعدهم عنا قولوا آمين.
العدد 2038 - الجمعة 04 أبريل 2008م الموافق 27 ربيع الاول 1429هـ