بينما تبقى جدلية «نسبية الأخلاق» مستعرة في الأوساط العلمية منذ آلاف السنين بشأن هل الأخلاق ثابتة أم متغيرة بمقتضى الزمان والمكان، تم حسم هذه الجدلية في عالم السياسة منذ فترة لتتسع دائرته إلى أن «لا ثوابت في الحياة». فبالأمس القريب كانت مقارعة المشروع الإسرائيلي تعتبر جهادا وشجاعة والسلام معه خيانة وعمالة، فأصبحت اليوم مغامرة ورميا بالنفس إلى التهلكة، والسلام معه اعتدالا وتعقلا!
بالأمس كانت إحدى الدول العربية محط آمال العرب والمسلمين في مواجهة المد الصهيوني وبوابة لتحرير فلسطين، فأصبحت اليوم تلاحق الفلسطينيين وتعتقلهم وتمارس أجهزتها البوليسية - كما تتناقل الأخبار - فنون التعذيب لانتزاع أي معلومة بشأن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير منذ يونيو/ حزيران 2006، كما تستعين بالخبرات الأميركية لتعقب الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب الأسلحة للفصائل الفلسطينية المقاومة، بل العجيب أن يدعو أحد المسئولين الفلسطينيين المحسوبين على السلطة إلى تبادل الأراضي مع «إسرائيل»؛ لإنشاء ممر آمن بين الضفة والقطاع.
الأعجب أن يرمي بعض العرب حركتي «حماس» و «الجهاد» بالصفوية والانصياع للأوامر الإيرانية، ويحذرونهما من أن الانسياق مع السياسة الإيرانية يعني أنه يحق للعرب التخلي عنهما والتبرؤ منهما وعدم تحمّل أية مسئولية تصيبهما. وهكذا يصل حال العرب إلى أن لا ثوابتَ يمكن الحفاظ عليها غير البقاء على كراسي الحكم مهما كلّف الأمر.
إقرأ أيضا لـ "احمد شبيب"العدد 2037 - الخميس 03 أبريل 2008م الموافق 26 ربيع الاول 1429هـ