العدد 2293 - الإثنين 15 ديسمبر 2008م الموافق 16 ذي الحجة 1429هـ

الفقراء والسذج ضحايا الأزمة المالية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تصريح دراماتيكي تناقلته وكالات الأنباء، حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك، البلدان الغنية بضروة «توخي الحذر وعدم التسبب بالمزيد من المعاناة للدول النامية من خلال الإقدام على اتخاذ خطوات وإجراءات غير محسوبة وأكثر حدة وتهورا بهدف إنقاذ وتدعيم اقتصاداتها المتداعية»، مشيرا إلى أن «الدول الفقيرة، التي تواجه أصلا مشكلة البطالة، أضحت الآن أكثر عرضة لعواقب السياسات غير المحسوبة المخاطر والتي تُطرح من أجل إنقاذ وتدعيم الأسواق الاقتصادية في البلدان الغنية».

قبل قراءة ما تشير إليه تصريحات زوليك، لابد من التأكيد أنه ليس المسئول الدولي الوحيد الذي يحذر من خطورة الانعكاسات السلبية للأزمة المالية على الدول الفقيرة والنامية، فقد سبقه إلى ذلك، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حين قال: «إن حماية الفقراء من النتائج السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية أولى من حماية الأغنياء».

وقبلهما، صدر تقرير عن مركز بروكينز Brookings Institution الأميركي، حدد سبعة أهداف من بينها تحقيق الاستقرار في الاقتصادات الناشئة والفقيرة التي «تواجه تحديات جمة، فضلا عن نكسات كبيرة في برامج التنمية والحد من الفقر ولاسيما في إفريقيا وأميركا اللاتينية بفعل الانخفاض الكبير في أسعار السلع الأساسية».

وكانت منظمة «أوكسفام»، وهي ائتلاف للأعمال الخيرية ومكافحة ظواهر الفقر، أكثر المنتقدين لما تشهده المؤسسات العالمية من عجز أمام ما تعانيه الدول الفقيرة من انعكاسات الأزمة المالية السلبية على اقتصاداتها، فجاء في تعليق لها على المؤتمر السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي انعقد في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2008، أن المؤتمر «يقترح حلولا في منتهى السخرية للبلدان الفقيرة. فقادة العالم يعترفون بتفاقم أزمة الفقر في الدول النامية، لكنهم يتجاهلونها في النهاية، ففي الوقت الذي تحشد فيه البلدان المتقدمة 1000 مليار لإنقاذ المصارف من الإفلاس، تعجز عن توفير 1 في المئة من ذلك المبلغ لإعانة الدول الفقيرة لتجاوز أزمة الغذاء».

وحين ننتقل من محيط الدول النامية العام، إلى المحيط العربي، سنجد، وبخلاف إدعاءات الكثير من المسئولين العرب، بمن فيهم بعض المسئولين الخليجيين، أن الصورة ليست وردية كما يريدون أن يوهموا المواطن العربي بها، فوفقا لتقرير صادر عن معهد التمويل الدولي، استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي في حدود 530 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، كانت قد استثمرت في أصول أجنبية في أوروبا وأميركا، منها 300 مليار في الولايات المتحدة، وهي المتسببة في اندلاع هذه الأزمة، وحدها.

وإذا ما حاولنا حصر تلك الأموال العربية التي استثمرت في أصول مالية فقط، فسنكتشف، كما يورد حسن طالب في مقال نشره موقع «سويس إنفو» أنها «تربو على 322 مليارا، منها 308 مليارات دولار تعود للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، و11 مليارا من مصر، و1.2 مليار من المغرب، أما الـ12 مليارا الأخرى، فجاءت من الأردن ولبنان وتونس، وقد اختلف حجم التأثر تبعا لنوع الاستثمار».

كل هذه الحقائق والمؤشرات، تثبت حقيقتين أساسيين، لا مهرب من أي منهما: الأولى، أن المؤسسات الدولية ذات القرارت المؤثرة في واقع واتجاه حركة الاقتصاد العالمي، تركز حلولها على مشروعات انتشال اقتصادات الدول الصناعية، وتولي اهتماما هامشيا للدول الفقيرة التي هي الأكثر تضررا من جهة، والأشد عجزا من التصدي لتلك الأزمة من جهة أخرى. والثانية، أن النظام الاقتصادي العالمي، والآليات التي تسيره، أصبحت بالية وبحاجة إلى إعادة النظر فيها، لأنها لم تعد قادرة على الصمود في وجه التحولات التي عرفتها قوانين الاقتصاد التي تطورت في أعقاب الحرب الكونية الثانية.

ومن ثمَّ، فإن دعوات مثل تلك التي ناشد بها تقرير بروكنغز قمة العشرين، مثل «إصلاح المؤسسات المالية وتقليل آثار المضاربة في أسواق المال والتركيز على السياسات التوسعية للاقتصاد الكلي كوسيلة لمواجهة الأزمة المالية»، ليس بوسعها أن تكون العصا السحرية التي تضع حدا لتداعيات هذه الأزمة وتأثيراتها السلبية المتنامية».

وفي مثل هذه الظروف، وإن كان للدول النامية والاقتصادات الصاعدة، أن تبحث عن حلول جذرية غير ساذجة، فهي لن تجدها في أروقة مؤسسات هي من صنع النظام الاقتصادي القديم الذي بدأت معالم انهياره واضحة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2293 - الإثنين 15 ديسمبر 2008م الموافق 16 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً