العدد 2293 - الإثنين 15 ديسمبر 2008م الموافق 16 ذي الحجة 1429هـ

ذاكرة الوطن في عيده

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

للوطن ذاكرة بحجم الأفق المفتوح على الجهات، كما للأعياد ذاكرتها النديَّة التي لها أفقها الخاص؛ بل والضروري. وطن تأوي إليه ليس باعتباره مكانا... ليس باعتباره مدنا وشوارع ومدنا إسكانية... وناطحات سحاب. وطن هو على تماس يومي مع تطلعاتك وآمالك وأحلامك. على تماس مع حنينك إليه حتى وأنت في الصميم فيه ومنه. حنين ليس بالضرورة أن تكون له علاقة بحال النأي أو الفقْد؛ بل حنين مردُّه اللامحدود من انتمائك وحبك والتصاقك به. حنين يتجاوز مرابع طفولتك وصولا إلى العصا التي ستتكئ عليها ذات يوم وليس انتهاء بانفلاتك المجنون. المجنون في طرق تعبيرك عن حبك له.

مثل ذلك الحنين لا يتأتى إلا لوطن له ذاكرته الخصبة القادرة على امتحانك، وأحيانا وضعك في خانة فحص صعب وضروري. والأعياد في وطن بهذا الحجم في تفاصيل ذاكرته، هي على تماس في تفاصيل ذاكرتها مع ذاكرة الوطن.

«الأوطان أعياد» هكذا قيل. وبالتالي «تظل الأعياد أوطانا». تكاد لا تفرق بينهما طالما أنهما قادران على منحك ذلك الشعور بالتجدِّد في روحك. التجدُّد في قدرتك على التواؤم مع متغيرات تطل برأسها هنا وهناك. وهو تواؤم لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن معناك وثوابتك ضمن حدودها المنطقية والأخلاقية.

في الذاكرتين، ثمة درس يطلع عليك من ثنايا ذهابك اليومي في الأمكنة: الوظيفة، الشارع، الجامع، اللهو، وحتى في افتعالك البريء لمشاجرات هنا وهناك ضمن الحيز والمكان الواحد. درس يذكرك بامتدادك وانتمائك. يزيل الفواصل المصطنعة والطارئة على سياق «نص ذلك الانتماء»، إن كان للانتماء من نص في هذا الصدد.

درس أوله خوفك الضروري عليه، حتى وهو يرفل بأمانه القائم، وخوفه عليك حتى وأنت في العميق من السعة. فيما درس العيد بذاكرته يحيلك على استدعاء لا تحتاج فيه إلى عظيم جهد كي تدخل في التفاصيل الثابتة فيه، مهما نأى بك الزمن وامتد بك العمر.

للبشر زوايا تعاط مع ذاكرة أوطانهم. زوايا تعاط مع ذاكرة أعيادهم. أو أعياد ذاكرتهم. زوايا تمس القيمة المستوحاة والمستخلصة منهما معا. وحين يحدث ذلك تبدأ ذاكرة أخرى تتأسس انطلاقا من تلك القيمة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2293 - الإثنين 15 ديسمبر 2008م الموافق 16 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً