في فيلم «الرسالة» للمخرج العربي الراحل مصطفى العقاد، يصوّر دور هند في تحريض قريش للانتقام من المسلمين في بدر. هذه الحملة الجنونية الشرسة التي كان يغذيها الثأر، انتهت عند جبل أحد، حيث جلست لتلوك كبد الحمزة عم الرسول (ص)؛ لتشفي غليلها بتلك الطريقة البشعة.
عمليا، قامت هند بما لم يقم به مئات الرجال، فهي قد أقسمت ألاّ تغتسل أو تدّهِن حتى تأخذ الثأر لقتلاها المشركين، وهكذا لم يُلامس الماء جسدها إلاّ بعد عام كامل! ونحن لا ندري كيف سيكون مسار التاريخ لو خلا من شخصيات بشعة حاقدة مثل هند، لها كل هذا التأثير على «الرجال».
في مؤتمر الحوار الوطني مطلع هذا الأسبوع، التأم شمل الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية والدينية والمثقفين والإعلاميين من مختلف الأطياف، في أجمل تظاهرةٍ للتعبير عن المخاوف التي تحيق بالوطن. كان مجرد الاجتماع والجلوس والاستماع إلى بعضهم بعضا... مكسبا جيّدا في ظلّ تصاعد النفرة الطائفية محليا وإقليميا. لم يأت أحدٌ ليفرض رأيه وقناعاته ورؤاه على الآخرين... وإنما للاستماع وتبادل الآراء، إلاّ قلة ناشزة مما تبقى من جناح «عزّت الدوري» في «أقليم البحرين»!
الحضور استمعوا لبعضهم، اختلفوا على أمور واتفقوا على أمور أخرى... لكنهم لم يُخوّنوا أحدا، ولم يَطلبوا سحب ورقة أحد، أو تكميم أفواه أحد... فالمؤتمر مؤتمر «حوار» وليس ساحة لقطع الرقاب... إلاّ هؤلاء الذين رضعوا سياسات القمع والإقصاء والاستبداد! هذه القلّة الناشزة لا تفكّر في حوار، وإنّما تسيطر عليها جيناتها الوراثية المُبرمجة على إرثٍ طويلٍ من المقابر الجماعية. «اسحبوا ورقتهم»، هذا هو الفكر والثقافة التي تربّوا عليها ورضعوها من حزب صدّام.
في تلك الندوة، كنتُ حاضرا واستمعتُ لما تلي من أوراق (الوفاق والوسط الإسلامي وصلاح الجودر)، لكن مع الإعلان عن أسماء المداخلات، شعرتُ بأنّ الوقت لن يمر على خير كعادة بعض «الفوضويين» و«الفوضويات»، فآثرتُ الخروج لأتجنب سماع البذاءات. ولم يخب ظنّي، فسُرعان ما خرج عضوٌ بإحدى الجمعيات الشبابية ليقول: «لقد شعْلَلَتْها»!
كانت منسجمة مع نفسها، لكن خطر مثل هذه النماذج الموتورة لا يقتصر على حدود شعرها وجلدها وملابسها، وإنما تنشر الحريق في البيت كلّه، حتى كتب بعض الزملاء مثل رضي الموسوي محذرا من حرْف المؤتمر عن مساره وجرجرته إلى المستنقع الطائفي.
هذا النموذج كان يدعو جهارا وبكلّ وقاحةٍ إلى حبس الصحافيين وتكميم أفواههم، وتعارض صدور قانون متنوّر يليق بالبحرين ويصون حرية التعبير. كلّ ما تجيده استفزاز الطرف الآخر، ولا تعرف شيئا اسمه احترام الآخرين. لم يشف غليلها أنْ تصف الصحافيين البحرينيين بـ «الحمير» في المؤتمر القومي، بل أساءت الأدب حتى مع ضيوف البحرين، مثل المفكر العروبي اللبناني هاني فحص والكاتب المصري الشهير أنيس منصور!
نموذجٌ دمويٌ مستعدٌ ليس لحرق جهود 500 شخصية بحرينية في مؤتمر للحوار الوطني، بل لحرق العراق والعالم الإسلامي كله ثأرا للرئيس الملهم صدّام حسين. والعتب على تلك الجمعيات التي نسيت أهداف الحوار واستحقاقات الديمقراطية، وانساقت وراءها بغباء، في المطالبة بسحب ورقة جمعية «الوفاق»... والتحق بركابها حتى بعض نواب كتلة «المستقبل» الهشّة الذين لم يحضروا وقائع الحوار ولم يعرفوا بما دار!
وللأخوة المنظمين الأعزاء نقولها للإنصاف: البعث ليس حزبا هامشيا بحيث لا يُوجد مَنْ يمثله غير الرعاع. هناك شخصيات من البعثين ذات تاريخ نظيف في ذاكرة البحرين، كانت أجدر بالحضور، فلماذا اخترتم الفوضويين من ورثة لائكة الأكباد؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ