العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ

أزمة لبنان وفوهة البركان الإقليمي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أيّ مدى تستطيع أنْ تستمر أزمة «الفراغ الهادئ» على حالها من دون الانزلاق نحو الانفجار؟ الجواب يتصل بمجموعة تطورات تتجاوز حدود بلاد الأرز الجغرافية. العامل اللبناني مهم ولكنه في الظروف الراهنة يحتل مواقع متراجعة في مواجهة زخم الضغوط الإقليمية والجوارية المترافقة مع فضاءات دولية تشهد متغيرات في دائرة «الشرق الأوسط».

أزمة «الفراغ الهادئ» مستمرة في الأفق المنظور. ويرجّح أنْ تشهد تفاعلات ميدانية ترفع من درجة حرارتها إذا لم تتوجّه القوى السياسية إلى المجلس النيابي وتعقد تلك الجلسة في 22 أبريل/ نيسان الجاري وتنتخب رئيس الجمهورية. فالأزمة موضوعة الآنَ في الثلاجة واحتمال إخراجها إلى «السخانة» مسألة واردة في حال تواصلت الانقسامات المحلية وفشلت الوساطة العربية في تنفيذ تلك المبادرة التي وافق على بنودها مجلس وزراء الخارجية العرب.

سؤال إلى أيّ مدى تستطيع الأزمة الصمود، يرتبط بمدى قدرة القوى المحلية على تحمّل الضغوط الدولية والإقليمية. فالانفجار الداخلي ستكون أدواته محلية وساحته ستكون لبنانية في محطتها الأولى. وتركز الانفجار بداية على العناصر الداخلية لا يعني أنّ تداعيات الأزمة ستقتصر ضمن الجدران اللبنانية وذلك لاعتبارات متنوعة منها أنّ بذور الأزمة صناعة خارجية.

ارتباط الخارج بالداخل اللبناني يضع الأزمة أمام مفارقات سلبية من ناحيتي توقيت الانفجار ومساحته. ومثل هذا الارتباط يشكّل ضمانة دولية/ إقليمية للداخل وفي الآنَ يعرض الداخل إلى شلل في المؤسسات وتعطيل للحل بانتظار أنْ تتوضح معالم الصورة الإقليمية وتقاطعها الميداني مع المتغيرات الدولية التي تشهدها منطقة «الشرق الأوسط».

أزمة «الفراغ الهادئ» التي تشهدها الساحة اللبنانية تتجاوز موعد انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية أو التوافق المحلي على قانون عادل للانتخابات النيابية. فالنقاط الثلاث مهمّة سواء أخذت بالتتابع واحدة بعد أخرى أو نفذت كلّها دفعة واحدة وضمن صفقة «السلة» الواحدة.

أزمة لبنان أكبر من مساحته حتى لو توجّهت الأطراف المحلية إلى قاعة مجلس النواب في 22 أبريل الجاري وعقدت تلك الجلسة المؤجّلة منذ خمسة أشهر. فانتخاب رئيس خطوة دستورية حاسمة ومهمّة لوضع الأزمة على سكّة الحل ولكنها تفقد قيمتها السياسية إذا نفذت قبل اتضاح معالم الصورة الإقليمية المحكومة بدورها بتوازنات دولية.

لبنان موضوع الآنَ على فوهة بركان. والبراكين عادة تأخذ وقتها لتقذف بنيرانها. والحمم البركانية تتطلب فترة زمنية للتراكم والتفاعل الكيماوي قبل أنْ تنقذف تلك المعادن خارج الفوهة ومحيطها. وقوّة القذف مشروطة أيضا بذاك المزيج الملتهب المتشكّل من نوعية معيّنة من العناصر والمعادن.

هذه الحال البركانية دخلها لبنان منذ العام 2004 وتطوّرت حرارتها منذ بدء موجة الاغتيالات والتفجيرات التي لم يتوقف مسلسلها حتى الآنَ. فالموجات الحرارية التي بدأت شرارتها بالتمديد القسري للرئيس السابق إميل لحود وتواصلت بقوّة مع جريمة اغتيال رفيق الحريري، ثم انسحاب القوّات السورية في العام 2005، ثم العدوان الأميركي - الإسرائيلي في صيف 2006، ثم افتعال حرب مخيّم «نهر البارد» في العام 2007 وصولا إلى انتهاء مهلة التمديد للرئيس لحود وخروجه من القصر الجمهوري في بعبدا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

كلّ هذا الكم الهائل من الانفعالات والتفجيرات والاعتداءات والمناوشات والحروب الصغيرة والانقسامات الأهلية والتجاذبات الطائفية والمعسكرات المذهبية والفراغات الأمنية لم ينجح حتى الآنَ في دفع البركان الملتهب إلى ذاك الانفجار الكبير الذي يتوقع أنْ يكون رهيبا في حال حصوله.

سؤال لماذا لم ينفجر البركان حتى الآنَ على رغم أنّ كل العوامل الداخلية جاهزة للقذف خارج الفوهة يتصل بعدم جاهزية العوامل الإقليمية والدولية لتقبل مثل هذا الخيار التقويضي. فالانفجار موصول بساعة توقيت موضوعة خارج الكيان اللبناني. وتوقيت الانفجار ينتظر مجموعة إشارات أخذت تتراكم سلبا وإيجابا على امتداد «الشرق الأوسط الصغير». فالأطراف الإقليمية والدولية تنتظر اللحظة المناسبة ولذلك فهي لا تريد التفريط بالورقة اللبنانية وتمزيقها في مغامرات محلية لا وظيفة إقليمية لها تساعد على تعديل توازن المعادلة الدولية.

ساعة التوقيت

بناء على هذا التوصيف العام للأزمة اللبنانية يرجح ألا تعقد جلسة 22 أبريل وينتخب ذاك الرئيس المنتظر. ويرجح أيضا ألا تسفر جولات الأمين العام لجامعة الدول العربية عَمرو موسى عن نتائج ملموسة إذا استمرت ساعة التوقيت مرفوعة على حائط الانتظار. كذلك يرجح أن تفشل زيارات رئيس مجلس النواب نبيه بري في التوصّل إلى حد أدنى من التوافق على برمجة «السلة» مادامت القوى الإقليمية والدولية تنتظر ارتسام معالم الصورة وما سيطرأ عليها من متغيرات في السنة الأخيرة من عهد جورج بوش.

الأزمة اللبنانية ستبقى معلقة وهي عرضة في أيّ لحظة للانفجار. وأزمة قطاع غزّة ستبقى بدورها معلّقة وهي عرضة للانفجار في أية لحظة. كذلك موضوع العلاقات اللبنانية - السورية وما يرافقه من استفزازات إسرائيلية دائمة في الجنوب والأجواء والبحار اللبنانية. ومجموع هذه الأزمات يمكن رصد تحوّلاتها من خلال متابعة الملف العراقي الذي يشكّل للولايات المتحدة نقطة فاصلة تحتل أولوية في جدول أعمال المشروع الأميركي في منطقة «الشرق الأوسط».

أزمة لبنان محلية في عناصرها التكوينية ولكنها ممتدة إقليميا وجواريا ومحكومة بسقف دولي يسيطر حتى الآنَ على مفاتيح «الفراغ الهادئ». والمفاتيح أيضا موصولة بساعة توقيت موضوعة الآنَ على حائط الانتظار تراقب التحوّلات قبل أنْ يتم الضغط على صاعق التفجير.

صاعق التفجير جاهز إلا أنّ التوقيت يحتاج إلى قرار بالضغط أو بالانفراج. وهذا القرار يرتبط إلى حد كبير باتجاه الريح في بلاد الرافدين ومدى نجاح التفاوض الجاري منذ فترة بين طهران وواشنطن. نجاح التفاوض بين إيران وأميركا في العراق ربما يؤدي إلى عقد تسوية (صفقة) إقليمية تمتد من شط العرب (البصرة) إلى بيروت وغزّة. أما الفشل، واحتمالاته واردة، يمكن أنْ يؤدّي إلى تفجير الصواعق البركانية من العراق إلى لبنان والقطاع.

حتى الآنَ لم تتبلور صيغة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة في شأن مصير العراق ومستقبله وموقعه ودوره وهويته. فالمسألة مرهونة بمدى استعداد الولايات المتحدة للتنازل وتحديد نوع الفشل ومساحته. وإعلان الخسارة يرتبط أيضا بمدى جاهزية واشنطن للقبول بدور سياسي إقليمي لإيران يتجاوز حدودها الجغرافية.

التقاطع الإقليمي الأميركي - الإيراني في العراق والخليج لا يعني بالضرورة تقاسم النفوذ بالتساوي بين الطرفين وإنما يرجّح في حال تم التوصّل إلى توافقات أنْ يحصل تحت صيغة مشروع أميركي يطمح إلى إعادة تأسيس خريطة سياسية لدول «الشرق الأوسط» تنضوي تحت سقف يجمع القوى تحت مظلة إقليمية ذات طابع اقتصادي يضمن أمن النفط وأمن «إسرائيل» على المدى البعيد.

أزمة لبنان المربوطة بساعة توقيت مرفوعة على حائط الانتظار مفتوحة على ساحات إقليمية ممتدة من العراق إلى غزّة. وهذه الأزمة الجاهزة للتفجير تتجاوز سقف الرئاسة اللبنانية وهوية الرئيس وتركيبة الحكومة ونوعية قانون الانتخاب النيابي. فالقوى التي تستطيع التفجير مترددة حتى تتعرف إلى طبيعة التسوية (الصفقة) ومدى جدية التفاوض وحدود ذاك التقاطع الدولي/ الإقليمي وحجمه ومساحته. والقوى التي تريد التفجير لا تستطيع إذا لم تكن الأطراف الأخرى عندها الاستعداد للتجاوب والرد. والقوى الإقليمية التي تتوتر تارة ثم تطلب التهدئة طورا تتخوّف من التفريط بالأوراق اللبنانية أو الفلسطينية وتجبر على استخدامها قبل أوانها. المسألة إذا على «كف عفريت» والأزمة اللبنانية التي تعيش منذ فترة طور «الفراغ الهادئ» تنتظر مجموعة تطورات تتجاوز جغرافيا حدود بلاد الأرز. ولكن السؤال يبقى يدور حول ذاك المدى الذي تستطيع الأزمة أن تستمر به من دون الانزلاق نحو ذاك الانفجار البركاني الرهيب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً