العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ

توازن الرعب الطائفي في البحرين... أسئلة عملية؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

أنْ يصل الأمر في بحريننا إلى توزيع رسائل إرهابية قذرة تهدد أشقاءنا في الدين المكلوم وفي المواطنة المنقوصة وتهددهم وتتوعدهم بالاستئصال والإفناء إنْ لم يبادروا بتغيير مذهبهم إلى مذهب آخر ومغادرة بيوتهم ومناطقهم التي استقروا بها ضمن نطاق الوطن الواحد، وفي حين لا يصدر هنالك أدنى رد فعل أو بيان وتعليق لائق من قبل الجهات المنوط بها مراقبة الأمن والاستقرار الوطني الذي لطالما أزعجوا به المواطنين والصحافيين كثيرا في الخطابات والتصريحات الصفراء، فالأمر إنما يؤكّد أننا وصلنا إلى منحنى خطير جدا لا تُحمد عقباه وذلك بفضل استراتيجية توازن الرعب الطائفي المنظم التي أصبحت تُدار بها مختلف الأمور الحيوية في البلاد!

وإنْ كان هنالك سكوت شيطاني متعمّد عن ترويج ونشر الملصقات الطائفية والمذهبية في مختلف مؤسسات الدولة ومرافقها العامّة، وإنْ اعتبرت الشهادتين والصلوات على خاتم الأنبياء والمرسلين (ص) شأنا طائفيا مثيرا ومنفرا، وإن حسبنا توزيع الورود من قبل أحد رجال الدين على موظفي مؤسسات الدولة فعلا طائفيا موجّها من أجهزة استخباراتية لدولة تعادينا ومع ذلك تجمعنا بها اتفاقيات غاز ومياه وتجارة مصيرية في مقابل السكوت عن مَنْ وزّع الورود على أعمدة الدولة القمعية؛ ليؤدّبوا الشعب ويرصوه بأحذيتهم «الوطنية»، فإنّه لا مانع أبدا لو طلبت من أحد معارف الصدفة أن ينشر دراسته واستبيانة في هذا المناخ الملائم الذي توصّل من خلاله إلى نتيجة مهمّة هي أنّ الأسطورة فيروز هي خيار الشيعة المفضل في حين أنّ كوكب الشرق أم كلثوم من شأن أهل السنة والجماعة!

وبين جميع مظاهر الجنون والانفلات الطائفي المنظم في البلاد يخلق النشطاء السياسيون والاجتماعيون والحقوقيون ويتقعر رجال الدين أو أمراء الطوائف إلى مستوى «الفريج» و»الزرنوق»، والكثير بات للأسف يُؤمن ويسلم بمنطق «الرفاع غير» و»الحد غير» و»الدراز غير» و «سترة غير» و»حالة بوماهر غير»! ويبدي ذعره الذي قد يكون مقبولا أحياناَ تجاه مظاهر «الاستملاك» الطائفية الجشعة لمختلف الميادين والساحات والطرقات العامّة، والتي لربما أشار إليها بموضوعية راقية الزميل الفاضل والصديق العزيز نادر كاظم وإنْ كنّا بحاجة أيضا إلى دراسة طبائع الاستهلاك الاجتماعي والسياسي الطائفي في مجتمعنا الموبوء وتشهير المفاعل والجراحات المنتجة التي كشفت لنا قيحها!

هل بفضل استراتيجية توازن الرعب الطائفي المدارة بحرفنة فاضحة قد أصبح وطننا الغالي كما لو أنّه قارب يوشك أنْ يغرق ويختل توازن بانتقالات أبنائه المتضخمين جدا بانقساماتهم وانشطاراتهم داخله؟!

هل ستسمو وسترتفع كفة شارع البديع إلى ما فوق السحب حينما ينزع جميع الشيعة نحو المحرّق أو الرفاع في المركب البحريني المختل؟! وهل ستشمخ جوانب المحرّق والرفاع والزلاق وعسكر وجو شموسا إذا ما نزح جميع أبناء أهل السنة والجماعة إلى شارع البديع وسترة مثلا؟!

المصيبة أنّ أجواء وبيئات المدن الحديثة لم تهذب الغرائز الطائفية الوحشية فينا ولم تخفف من حدة وشبق العقد والأمراض العصابية المهداة لنا من موروثات جراحنا التي لم يوحّدها الألم والنزيف، فأصبحنا نرى سباقا محموما في تلك المدن المختلطة أكثر من ما هو عليه في مناطق مغلقة من البلاد نحو بناء مساجد السنة ومساجد الشيعة وصالات السنة ومآتم الشيعة، وهلم يا طوفان العرائض «الشعبوية» الطائفية فهذا الميدان يا علي السني ويا علي الشيعي ويا عُمر السني ويا عمران الشيعي عسى أنْ ترتفع إلى كبار مسئولي الدولة خلف الكواليس وعند غرفة التحكّم بتوازنات الرعب الطائفي البحريني حيث الخطوط الحمراء التي يتوعّد مَنْ يقترب منها ومن سلامة توازن الرعب الطائفي فهو عنصر رئيسي من منظومة الأمن والاستقرار بحسبهم للدولة!

فليسمح لي القارئ العزيز أنْ أذكر كلام بعض الإخوة الأفاضل السكارى (هداهم الله) حينما ننتقد فيهم ذلك الاعتياد القبيح والمحرم ما أنْ نلقاهم فيقولوا لنا «ما أحلى السني والشيعي حينما يتنادمان في المواخير وتراهم يتبادلان بود أحزانهم وهمومهم الوطنية المشتركة ويأملون في خلاصها معا، وما أقبحهم حينما يذهبان إلى دور العبادة ويتنابزان ويتشاتمان طائفيا حتى تكاد أنْ تسفك الدماء»، في حين يُوجد هنالك مَنْ يتحسّر على تلك الأيام التي يجلب فيها ثور (أعزّكم الله) من البديع لينزو على بقرة (أعزّكم الله) من جنوسان، أو العكس دون أنْ يكون ذلك «التوصيل الوطني الخام» مشمولا بالطائفية!

وفي الوقت الذي تنشر فيه قناة الجزيرة الفضائية خبرا عن شن الحكومة الكويتية أشرس الحملات الأمنية والاستخباراتية على ما يسمّى بــ»انتخابات الفرعيات» لكونها تهدد «البناء المدني المؤسساتي للدولة» بحسب الحكومة، حيث يجتمع أبناء بعض القبائل والفئات للإجماع على مرشحين مشتركين على أمل ضمان تحقيقهم المزيد من الأصوات، فإننا نأمل أنْ يتحقق لنا ذلك وإنْ كان مَنْ يعنيهم الأمر في هذه البلاد يستحب لهم تطبيق استراتيجية السوق السياسية الطائفية الحرة عسى أنْ تعود الأسعار الضاربة إلى الاستقرار مجددا في الانتخابات البلدية والبرلمانية على أمل إثخان وتوهين المجتمع، هذا إنْ لم تكن مناخات الطائفية الاجتماعية والسياسية المسمومة والمسومة نعيما رغدا بالمقارنة مع موروثات القبلية الجاهلية ومحاصصاتها أيضأ!

وقد قلنا سابقا إن مَنْ اختبر ظلم وحيف القبلية الجاهلية ومحاصصاتها المناطقية ليدرك جيّدا بأنّ الطائفية السياسية ومحاصصاتها هي مرحلة أسمى وأرقى بكثير وربما هي تبدو «ليبرالية» تقدمية في مواجهة أوتوقراطية القبائل والمضارب، فأنت داخل الوعاء الطائفي بإمكانك في أسوأ الأحوال أنْ تمارس النفاق الاجتماعي وتبحث عن المزيد من ممكنات التلاقي والتواد ومشتركات الينابيع والحياض الشرعية الموجودة بكثرة إلا أنك وطالما ظللت مأسورا بـسيوف القبائل، فسيظل عليك أنْ تسلب الإله اختصاصه في الخلق من عدم حتى تتمكن من توحيد ورص الصفوف وطنيا رغم دموية روابط الدم القبلية والعشائرية!

وأجزم أنْ هنالك مَنْ حمدوا ربهم حينما دخلت المعارضة وعلى رأسها «الوفاق» إلى المشاركة في الانتخابات النيابية فالأمر ربما أنقذهم من حميم المحاصصات القبلية والمناطقية ووحدهم مع سائر الفئات والإثنيات المقسّمة ضمن حلف الطائفة الموالية والمساسة ناحية طائفة أخرى معارضة تحمل «أجندات» خارجية خطيرة بممثليها بحكم الأمر الواقع!

فهم سبق أنْ جربوا أولى الانتخابات التي قاطعتها المعارضة والذي كان شعار الذائقة الشعبوية المدعوم بقوّة فيها هو «أنا وابن عمي على الغريب»، حيث طغى مشروع محاصصة استراتيجية قبلية وإثنية غير معلن أصبح فيه توازن رعب آخر كما وهو «أبناء القبائل في الجنوب و»الهولة» أخذوا حقهم في المنامة وجزء من المحرّق، وغيرهم أخذ حقه في مكان آخر» كما كان يروّج ويوصى ويوجه حينها للأسف على العلن ولابدّ من إعلانه أمانة للتاريخ والذكرى!

فهل سيتعلم نزلاء «غرفة التحكّم» من أشقائنا في الكويت فن المحافظة على الانسجام والتجانس الوطني وقبلها فن إنجاز البناء المدني المؤسسي للدولة وفنون إثماره إيجابيا بعناصر المنظومة الديمقراطية المتعددة؟!

وإلى أين تريد لنا «غرفة التحكم» أنْ نصل ضمن استراتيجية توازن الرعب والردع الطائفي؟ وهل لديهم هناك من خطط إنقاذية بديلة في حال أدت تلك الاستراتيجية إلى نهايات كارثية لا تحمد عقباها؟

هل يجيد اللاعبون في «غرفة التحكم» التلاعب بالكبريت الطائفي خصوصا أنّ استراتيجية توازن الرعب التي قد تنفع مع مقارعة عدو خارجي كالكيان الصهيوني لم تكن قط قد خلقت مواطنة حقيقية أو أسست قبلها مناخا مقبولا للحد الأدنى من الثقة الجماعية الضرورية ؟ أم أنّ زلزالا أو فيضانا كارثيا هو خيار مرغوب لرأب الصدع وتحطيم معادلة توازن الرعب الطائفي؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً