العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ

هل كل شيء مباح من أجل النفط

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

توقع صندوق النقد الدولي أزمة اقتصادية عالمية طويلة ذات عواقب وخيمة بعد أن دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود بسبب ما يتعرض له من استنزاف حروب عبثية. وكلما زاد الضغط الاقتصادي كلما ارتفعت وتيرة الضغط في اتجاه الهيمنة على مصادر الطاقة. وتاريخيا فقد أسس الغرب سياسته تجاه منطقتنا على محورين. المحور الأول هو النفط، والمحور الثاني هو أمن «إسرائيل» وهيمنتها.

وعلى رغم عدم وسعنا نكران حق الغرب، والولايات المتحدة خصوصا, في صوغ سياساته وحماية مصالحه، إلا أن من حق شعوب هذه المنطقة الموازنة بين مصالحها ومصالح الغير. فالولايات المتحدة الأميركيه حليف سياسي وشريك اقتصادي. من هنا تقع علينا مسئولية ترشيد هذه العلاقة المشتركه، فأي خطأ في الحسابات يلحق الضرر بالجانبين على حد سواء.

البعد النفطي

صحيح أن استقرار المنطقة ضروري لضمان تدفق النفط. والأستقرار له بعد خارجي وآخر محلي، ولكي نحقق الأستقرار المنشود لابد من تحديد مكامن الخطر في هذين البعدين. على الرغم من احتلال «إسرائيل» لأراضي الغير وعدم رغبتها في وجود دولة فلسطينية بسيادة كاملة، فإن الولايات المتحدة لا ترى في ذلك خطرا على استقرار المنطقة التي شهدت حروبا مدمرة بسبب هذه السياسة. وعوضا عن ذلك تعمل الولايات المتحدة جاهدة على اقناع دول المنطقة بالمشاركة في حرب عبثية جديدة لمواجهة دولة أخرى في المنطقة تم تحديدها بالخطر الحقيقي بدلا من «إسرائيل». ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع التوجهات السياسية للجارة إيران فإن الاحتراب معها أو مع غيرها لا يجلب الاستقرار اللازم لتدفق النفط. ومثله فإن تحويل الأنظار نحو خطر واحد والتستر على الاحتلال لأراضي الغير يعني أن الحليف الأميركي تخلى عن حياده وجديته في تسوية تحقق هذا الاستقرار اللازم, متناسيا أن غياب هذه التسوية هو النتيجة الحتمية والمبرر لوجود الخطر الأخر الذي ربما يعتبر وجوده لازما لسياسة صناعة الخوف «scaremongering». فالخوف يفضي لطلب الحماية، ولكل حماية ثمن.

في مثل هذه الظروف تفقد مقولة القلق على تدفق النفط صدقيتها، فالنفط تدفق في أحلك الظروف وأصعبها . فتوقف النفط لا يقوى عليه أحد سواء كان منتجا أو مستهلكا. وحتى الخصوم تتوقف كل العلائق الاخرى بينهم الا علاقه بيع النفط وشرائه التي تستمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وعندما تفقد مقولة تدفق النفط صدقيتها, تكمن الحقيقة حينئذ في تملك النفط لا تدفقه. وتملك النفط له أبعاده والتي منها سياسة استرجاع قيمته على شكل سلاح يتطلب تصديره تنفيذ صناعه خوف وتوجس وحروب لا يقوى على تنفيذها إلا الطغاة. من هنا تبرز الحاجة لصناعة أدوات منفذه تمكنت في تاريخ هذه المنطقه من إشعال عدة حروب مدمرة. وهذا يقودنا إلى البعد المحلي في سياسة الأستقرار.

البعد الديمقراطي

لماذا انحسرت الدعوات التي أطلقتها الولايات المتحده بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول المتعلقة بتشجيع الديمقراطية في المنطقة؟

إن سياسة تملك النفط لا يمكن إذا استتبابها في جو من الشراكة الوطنية. والشيء نفسه يقال عن الحوار الإسرائيلي مع دول الجوار. فإدخال المواطن في معادلة إدارة الصراع يعني سحب البساط من سياسة التفرد بأنظمة لا تملك سلطة التخويل لإدارة المفاوضات. فعندما فاوض مناحيم بيحن في خيمة كامب دايفد كانت عيناه على الكنيست الذي يحسب دقات قلبه ويراقب أدائه وأداء حزبه، خلافا لمحاوره الذي يفاوض لوحده بعد ان استغنى عن رجاله فاجتهد وأخطأ، وكبل وطنه بقيود لا مفر منها، وكان بإمكانه تجنبها لو فاوض بروح خصمه الذي كان خاضعا في سلوكه لمحاسبة شعبه.

في كتابه الشهير الجدار الحديدي «The IRON WALL» يؤكد البروفسور في جامعة اكسفورد ايفي شليم أن وجود أنظمة فردية ضعيفة يخدم سياسة التوسع، فـ «إسرائيل» تعودت على استثارة الأنظمة الفردية لارتكاب حماقة تبرر الحرب لمزيد من التوسع. من هذا المنطلق تفسد الديمقراطية المتمثلة في اشراك المواطن في إدارة الصراع على «اسرائيل» مساعيها في التوسع. وهذا يفسر لنا خشيتها كديمقراطية يهودية من بروز أنظمة ديمقراطية في جوارها. ومثله يقال عن سياسة تملك النفط التي لا تخرج عن إطار هذه المعادلة.

الغاية تبرر الوسيلة

إن إجهاض دعوات المشاركة السياسية في المنطقة يصبح في هذه الحال هدفا مشروعا. فتمكين المجتمع من تقرير مصيره وحماية مصالحه يفسد على الغير أهدافه في التملك والتوسع. فما هي الأدوات اللازمة لإجهاض عملية تمكين المجتمع؟ إن أكثر الأدوات فاعلية هي أداة الفرقة والتباعد. فضعف المجتمع يكمن في تشطيره وإدخال عقدة الخوف والشك في تفكيره. الأداة الأخرى التي لا تقل خطورة هي احتضان التطرف ودعاة إلغاء الآخر لإشغال المجتمع بنفسه باستحضار خلافات الماضي لخدمة السياسة. فإذا كانت الديمقراطية تعني الحوار السلمي فإن أهداف التشطير تتطلب اعتبار الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة بدعة غربية، في تجنٍ فاضح على مبادىء الإسلام السمحة التي تدعو إلى محاربة الفساد وحماية المال العام, كما تعتبر مخالفة فاضحة لسيرة السلف الصالح والتي أكد عليها الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رض) عندما قال: «لقد وليت عليكم ولست بأحسن منكم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني»، وهكذا يجسد لنا أسمى مبادىء المساءلة والمحاسبة.

إن تشطير المجتمع يتطلب الالتفاف على هذه المبادىء ولكن برداء إسلامي لتجنب انكشاف حجم اللعبة, فالمخططون يعرفون نقاط ضعف المنفذين. وكثيرا ما كانت التجربة خير برهان في أكثر من موقع بدءا بأفغانستان إلى بغداد حيث شكلت صناعة الإسلام السياسي مبررا قويا نسوقه للغرب كدرع لصد أية محاولة صادقة للمشاركة السياسية.

من هنا تستحق سياسة تملك النفط بجدارة صناعة الطغاة وإجهاض دعوات المشاركة، وحياكة مؤامرات الفرقة والتباعد، ونشـر ثقافة الخوف المزدوج من الداخل والخارج. فعندما يصبح تمكين المجتمع نقيضا لسياسة تملك النفط فإن مقولة تشجيع الديمقراطية تفقد صدقيتها، ويفقد المواطن في هذا الجزء من العالم ثقته في سياسة الغرب، فتتسع الهوة بين عالمين ويفرخ الإرهاب المزدوج، ويصبح حلم الاستقرار في مهب الريح.

إن حكومات وشعوب المنطقة مصيرهم مرهون بوعيهم بحجم الخطر الداهم على أوطانهم. فمنع الغير من إيذائهم وتفريقهم لا يتحقق إلا بالمصالحة مع الذات أولا, وتحصين البيت من داخله من دون حاجة لاستعداء الغير سواء من داخل الوطن أو خارجه. فالاستقرار المنشود في هذه المنطقة يتحقق بالمشاركة السليمة، أما صناعة الاستبداد وثقافة التطرف ونزعة استخدام القوة لإخضاع الغير، فجميعها تتقاطع وأهداف الاستقرار المنشودة لتدفق النفط.

واذا كان الغرب معنيا بالاستقرار في هذا الجزء من العالم وفقا لمقولة أن الديمقراطيات نادرا ما تلجأ إلى القوة لحسم الخلافات بينها، فإن أفضل وسيلة لتجنب الحروب هي تشجيع نشر الديمقراطية لا نقيضها. فتجهيل وتشطير الشعوب يهدف إلى إقصائها عن المشاركة في تقرير مصيرها وصوغ مستقبلها بتجنيد فرعون مستبد يفكر نيابة عنها ويملك سر حياتها ومماتها, وهذا ممكن ولكن إلى حين... لكون الزمن قد تغير وكذلك هو الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً