لم يكن منتظرا ولا منطقيا أن نتوقع نجاح مؤتمر الحوار الوطني الثاني، في ظرف ربع يوم، في معالجة ما تم مراكمته من شكوك وتخوفات بين فئات المجتمع عبر ربع قرن.
الشجاعة تقتضي أولا الاعتراف بوجود عُقدٍ ينبغي حلها، وحفرٍ ينبغي ردمها بين مختلف الأطراف. والمشكلة أنه كلما بدأ الحديث عن بعض هذه العقد، سرعان ما يحدث استنفارٌ للدفاع عن هذه الأخطاء والخطايا التي ترتكب بحق الوطن.
مثل هذه العقد أصبحت أيقونات مقدسة يجري الاستنفار لها والدفاع عنها كلما طالها النقد. فالتهمة جاهزة لمن يقترب من موضوع التمييز والتجنيس والتهميش، وما أقل من يخرج من جلد طائفته والتصريح بقول الحق وبما يرضي الضمير.
من المداخلات الموضوعية في المؤتمر، ورقة «التمييز والتشريعات»، التي قدّمها عضو المكتب السياسي بجمعية «وعد»، المحامي سامي عيسى سيادي، فقد اعتبر المساواة من أهم المبادئ التي تقوم عليها حياة الشعوب، وحجر الزاوية في كل تجربة ديمقراطية. كما أشار إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 الذي تضمن نصوصا عن «الحق في المساواة بين المواطنين». ومع ذلك حين يُطرح أي اقتراح لمناقشة الاختلالات الحادثة في التطبيقات والإجراءات في بلدنا، نرى استنفارا غريبا عجيبا للدفاع عنه، كما فعل النواب في رفضهم التحقيق في فضيحة «التمييز الوظيفي».
سيادي الذي استعرض مبدأ المساواة في المواثيق والعهود الدولية، أشار إلى وجوده في النطاق المحلي الدستوري، مستشهدا بالمادة الرابعة من الدستور: «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن... وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة...». هذا بعض ما جاء في الدستور، ولكن ماذا عن الواقع؟
التمييز كما يقول سيادي لا يمكن حصره في التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، بل يتعدّاه إلى صور أخرى معاشة، كالتمييز في مجال الحريات والحقوق العامة، لاعتباراتٍ تتعلق بالمولد أو الانتماء الطبقي أو الانحياز لرأي أو للعصبية أو القبلية. ويعتبر أن مظاهر التمييز المتعدّدة إذا لم تُواجَه ببناء تشريعي يجرّمها فإن «هذا النمط سيستمر ضاغطا على إمكانية وجود الوحدة الوطنية».
الأخطر بالنسبة لعملية التمييز، هو أن البحرين تعاني - كما يقول سيادي - من وتيرةٍ تكاد تكون متصاعدة مع صمت المجتمع المهدّد بالانشقاق، ما يستدعي تعديل التشريعات وسن قانون يجرّم أي انحراف عن العدالة والمساواة في المجتمع. ويستشهد بما يجري في الواقع، فقانون الخدمة العسكرية لم ينطوِ على شروط استبعاد فئة أو عقيدة معينة، إلا أن الواقع التحكمي كرّس أن هناك طائفة وأعراقا حرموا من أداء أسمى الواجبات الوطنية. وكذلك منع الجنسية عن بعض من وُلدوا في البحرين، بينما يتم «تجنيس أعداد كبيرة بصورةٍ خارجةٍ عن القانون لمنطلقات سياسية لا تخدم المجتمع». وهذا البلاء الذي سيضر كل البحرينيين لو طُرح في البرلمان اليوم لانبرت بعض الكتل لإسقاطه!
ويكمل سيادي ورقته بالحديث عن التمييز في تحديد الدوائر الانتخابية التي لا تعكس العدالة والمساواة؛ والتمييز في القضاء بوجود محاكم خاصة لأفراد وطوائف وطبقات اجتماعية معينة؛ والتمييز في حق الملكية ومنع تداول الأراضي هنا وهناك. ويخلص إلى توصياتٍ على رأسها «إصدار قانون مكافحة التمييز»... ترى من يستجيب لحكم العقل والعدل وحكم القانون ومبدأ المساواة؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ