العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ

لا تنتظروا عُروة بن الورد!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

انتهى عصر الصعاليك. على الفقراء ألاَّ ينتظروا عُروة بن الورد وأحفاده؛ كي يكفوهم مؤونة «سؤال الناس إلحافا» ومد أيديهم في البادية والحاضرة العربية. اللصوص في الصدارة من المراكز، بل باتوا يشكّلون جزءا من مرجعيات السياسة اليوم. هم في الصفوف الأولى التي تقدِّمهم باعتبارهم جزءا من أعمدة رعاية الأمة!

أحاول أن أفهم كيف يمكن للصوص في الأمة أن يراعوا مصالحها؟ تلك معادلة بحاجة إلى عقلية بحجم صاحب «النظرية النسبية»، المغفور له بإذن الله تعالى ألبرت آينشتاين!

***

الأمة التي تترك لصوصها ينعمون بالأمان من المساءلة تؤسس لولادة لصوص وتناسلهم. والنتيجة: كل مقدَّرات الأمة وثرواتها بمثابة «لقيا»، ومال سائب لا صاحب له.

***

مادمت تملك الغطاء والمتاريس، فستمعن في مد يدك إلى ما لا تملكه. وتحت مظلة ذلك الغطاء، وفي ظل التحصن بتلك المتاريس، فسيصبح ما لا تملكه مع مرور الوقت حقا طبيعيّا لك، لا يجرؤ أحد على مناقشتك في مشروعيته.

***

آلاف الوحدات الإسكانية كان يمكن لها أن تُشيَّد بمئات الملايين التي تبخرت، وعملت على زيادة السمنة في رصيد أحدهم من عمليات لم تعد تتحمَّل التقيَّة في اللغة بإطلاق مسمَّى رشا عليها. هي سرقات وسطو في رابعة النهار، وعلى مرأى من أمَّة لا إله إلا الله. سرقات وسطو بتوافر الغطاء والمتاريس، بوجود الأمان من المساءلة. و «الكَتَبَة» الذين خرست ألسنتهم أمام أكبر عملية سطو في تاريخ هذا الجزء من العالم منتفعون - بشكل أو آخر - من تحوُّل مقدَّرات الأمة وثرواتها إلى «لقيا»، ومال سائب لا صاحب له.

***

مصارف مركزية تتعافى اقتصادات دولها بوديعة بهذا الحجم. أقول الاقتصاد بكل تفرعاته وتعقيداته. طيِّبْ. ما الذي سيحدثه المليار دولار في اقتصاد دولة لا يتجاوز ناتجها القومي 8 مليارات دولار، في دولة تعاني من قلاقل بسبب البطالة - على رغم الترقيعات هنا وهناك - والتضخم، والفساد بكل أنواعه، وتآكل - بل اختفاء - الطبقة الوسطى، واتساع هامش الفقر، ومشكلة الإسكان، وتدني الخدمات الصحية؟ أعيدوا لنا المليار دولار الذي اختفى في رابعة النهار، ومئات الملايين التي اختفت بليل، واعملوا على حل تلك القائمة الطويلة مما ذُكر، وأقسم بالله العظيم، سأكون أول من يطالب - مع كثيرين - بحل مجلس النواب إلى الأبد، إذا استمر في أدائه المخزي والكاريكاتيري الذي لم يجلب لنا سوى «الفُرجة» واحتمال أن تتحوَّل البلاد إلى «فلُّوجة» وأكثر من «تورا بورا»!

***

لو تقلَّص عدد اللصوص الذين يمارسون السياسة في العالم العربي إلى 10 في المئة سنويّا لأصبح نمو ناتجه الأعلى في العالم!

4 تريليونات دولار تدفع على شكل رشا، وتحت مسمى عمولات على مستوى العالم بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. نصيبنا منها يعادل أكثر من الثلث. ذلك الثلث قادر على تغيير الوجه الكالح لهذا الجزء من العالم على أكثر من مستوى: التعليم، الصحة، مراكز البحوث، الصناعات، الإسكان والبنى التحتية. ومتى ما توافر ذلك يصعب عندها الحديث عن أمة مهزومة، مستَلَبة، تابعة، مرتَهَنة، خانعة وعرضة للاختراق. الاختراق يحدث حين يرتع الفساد في بيئة توفر له كل أسباب الامتداد والتجذر، بحيث يصبح عُرفا، وحين يصبح عُرفا فمن الطبيعي ألا تُؤاخذ عليه. لحظتها تمسون وتصبحون على أكثر من هزيمة، واستلاب، وتبعية، وارتهان، وخنوع، واختراق!

***

المُخَطِّط للسرقة، والعاملون على تنفيذها بشكل مباشر، والسائق الذي يقلُّ المجموعة، وذلك الذي يراقب الطريق، جميعهم - من الطبيعي - مساءلون أمام القانون، ولكن ما يحدث في أجزاء من هذا العالم أن أول من يُفعَّل عليه القانون هو السائق والذي يراقب الطريق، فيما الآخرون بمنأى عن «الشبهة» عدا الحديث عن المساءلة!

***

جميع اللصوص في العالم - أعني اللصوص من فئة النجوم الـ5 - يعانون من حالات «ارتدادية». ارتداد إلى عالم ما قبل تشكُّل المجتمعات. ما قبل تشكُّل النظم والقوانين والدولة. لا يغرنَّك حظهم في التعليم، والأُسَر التي تحدَّروا منها، ونمط العيش الذي يحيونه، من سيارات فارهة، ووسائل اتصال ضمن آخر صرعاتها، وحفظهم الإتيكيت عن ظهر قلب أو «بطنه». كل ذلك لا ينفي عنهم انشدادهم إلى ذلك الارتداد ضمن سلوك يرى كل ما في يد الغير ملكا لهم، وحقا طبيعيّا هم أوْلى به، ماداموا يملكون القوَّة والسطوة والإمكانات التي توصلهم إلى غايتهم، تماما كما يحدث في عالم الغاب، في عالم ما قبل تشكُّل المجتمعات البشرية.

***

كما انتهى عصر الصعاليك. انتهى أيضا عصر اللصوص الظرفاء! لصوص هذا العصر لديهم قدرة عجيبة على النسيان، والنوم، وتقبيل أطفالهم في الصباح، وتحية الجيران، وارتياد مآتم العزاء، والمشاركة في الأفراح، وعيادة المرضى كأنَّ العالم بخير لأنهم ينعمون بما سطوا عليه. انتهى عصر اللصوص الظرفاء. ثم إنني لا أؤمن بلص ظريف، وآخر «ثقيل دم». اللص قاتل من نوع آخر، قاتل ببرود أعصابه في السطو على عرق أمة وشقائها ومستقبلها، وخصوصا إذا كان سارقا من فئة 5 نجوم! ثم إن السرقة عموما لا ظُرْفَ فيها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً