قدم بعض من تحدث في ندوة «ظاهرة ارتفاع الأسعار في دول مجلس التعاون الخليجي» التي عقدت الأسبوع الماضي في فندق الشيراتون أفكارا لافتة لمواجهة معضلة التضخم في اقتصادات المنطقة. يشار إلى أن دول اتحادات غرف دول مجلس التعاون قامت بترتيب الندوة بضيافة غرفة تجارة وصناعة البحرين.
وتعتبر ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) قضية الساعة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. بيد أنه تعاني قطر أكثر من غيرها من هذه الظاهرة وذلك على خلفية النمو المتميز لاقتصادها (بحسب مجموعة الإيكونومست البريطانية حقق الناتج المحلي الإجمالي القطري نسبة نمو حقيقية قدرها 7,8 في المئة في العام الماضي وذلك بعد خصم عامل التضخم).
توقعات صندوق النقد الدولي
فقد جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي أن الاقتصاد القطري عانى من نسبة تضخم بلغت 14 في المئة في العام 2007. كما سجل الاقتصاد الإماراتي نسبة تضخم قدرها 11 في المئة في العام الماضي مشكلا ثاني أسوأ مستوى لارتفاع الأسعار بين اقتصادات دول مجلس التعاون.
من جهة أخرى، تسبب إعلان صندوق النقد الدولي رفع توقعاته بخصوص معدلات التضخم في المنطقة في رفع درجة حرارة المناقشات في الندوة. فقد أعلن الصندوق أن متوسط معدل التضخم في العام 2008 في الدول الست سيكون 7 في المئة وليس 6 في المئة كما أعلن في السابق. ويشكل ارتفاع الأسعار عبئا إضافيّا بعد سنة شهدت ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم في بعض دول مجلس التعاون وخصوصا قطر والإمارات.
تطوير السياسات المالية
ركز المنتدون على نقطة جوهرية وهي مناقشة السبل الكفيلة وقف زحف الغلاء الذي بات يأكل الأخضر واليابس مشكلا تهديدا للطفرة الاقتصادية المتميزة التي تعيشها دول مجلس التعاون وخصوصا المستوى المعيشي للمواطنين والمقيمين على حد سواء والقدرة التنافسية للمؤسسات التجارية. ولفت نظري ما قاله كبير الاقتصاديين في بيت التمويل الخليجي علاء اليوسف إن المطلوب من دول المجلس تحديد أهداف معينة للسياسات المالية والتحويلات الرسمية للبرامج الاجتماعية والمصروفات الرأس مالية فضلا عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص لإقامة مشاريع البنية التحتية.
وعلى هذا الأساس، المطلوب من الجهات الرسمية تحديد أهداف السياسات المالية فيما يخص دخل الخزانة العامة من قبيل فرض أو تقليل الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية وذلك استنادا إلى البرامج المزمع تنفيذها. بمعنى آخر، ربما يكون من المناسب تقليل مستويات الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية إذا لم تكن الحاجة ماسة آخذين في الاعتبار ارتفاع الدخل النفطي وبالتالي الفوائض المالية المسجلة. ولابد من الإشادة في هذا الصدد بقرار السعودية الذي اتخذ في وقت لاحق من العام الجاري بخفض الرسوم المفروضة على بعض الخدمات الحكومية لمدة ثلاث سنوات.
كما أن من المناسب أن تحدد السلطات أهدافا تخدم العملية التنموية من جهة وتسهل سبل العيش الكريم للمواطنين من جهة أخرى. على سبيل المثال، المطلوب من الجهات الرسمية الاستثمار في مشاريع إسكانية للمواطنين، وقد بات صرف المزيد من الأموال ممكنا نظرا إلى ارتفاع إيرادات الخزانة العامة وذلك على خلفية ارتفاع أسعار وبقائها مرتفعة في السنوات القليلة الماضية. كما أصبح من الصعب بمكان على غالبية المواطنين شراء العقار نظرا إلى ارتفاع الأسعار.
عدم فك الارتباط بالدولار
في المقابل، رأى الاقتصادي علاء اليوسف أن فك ارتباط عملات دول المجلس بالدولار الأميركي (باستثناء الكويت التي تربط عملتها بسلة من العملات الدولية) سيكون له تأثير محدود في أحسن الأحوال على خفض مستويات التضخم. ويعود الأمر بالضرورة إلى ارتباط ظاهرة الغلاء بعدة أسباب منها النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار المواد الأولية بما في ذلك المشتقات النفطية. وخير دليل على ذلك هو انتشار مشكلة التضخم في مختلف دول العالم بما فيها الاقتصادات التي لا تربط عملتها الوطنية بالدولار ومنها دول الاتحاد الأوروبي فضلا عن اليابان.
تطوع لمراقبة الأسعار
ومن بين الأفكار الأخرى الجديرة بالاهتمام دراسة التجربة الماليزية في تشجيع المواطنين على مراقبة الأسعار وإخطار الجهات الرسمية عن التجاوزات. فقد ذكر محمد إقبال أن بلاده قامت قبل فترة بالترتيب لعمل تطوعي من قبل 14 ألف مواطن لمراقبة الأسعار في المحلات التجارية بهدف تشجيع المؤسسات التجارية على الابتعاد عن كل ما من شأنه تعريض سمعتها للتشويه. ويقوم هؤلاء المتطوعون بتوفير المعلومات لوسائل الإعلام ما يفسح المجال أمام التعرض لسمعة ومكانة المحلات التجارية المتهمة.
كما ظهرت بعض المقترحات الأخرى مثل الشراء الموحد من دول المجلس لغرض الحصول على الأكثر الأسعار التنافسية. لكن يعيب هذا المقترح صعوبة تنفيذه إذ يتطلب الأمر تنسيقا دائما وعلى كل المستويات. كما أن الشراء الموحد سيحرم بعض المؤسسات من ميزة تنافسية ألا وهي المنافسة عن طريق السعر.
مهما يكن من أمر، تتطلب معالجة معضلة الغلاء إقامة المزيد من الفعاليات في دول مجلس التعاون لغرض بلورة أفكار ومقترحات جديدة للوقوف أمام أكبر تحد للرفاهية الاقتصادية. وقد بات التضخم حديث الناس وليس أمور مثل ارتفاع دخل الخزانة على خلفية ارتفاع أسعار النفط.
هيبة الحكومات
هناك شبه اتفاق بين علماء وأساتذة الاقتصاد باعتبار التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد. والسبب في ذلك هو أن التضخم يضر الجميع إذ ترتفع الأسعار بالنسبة إلى الفقير والتاجر (أكثر ضررا على الفقير من الناحية النسبية). لكن لا ينطبق بالضرورة على البطالة إذ يتركز الضرر على العاطلين. وعليه فالمطلوب من السلطات محاربة جميع أشكال التضخم حفاظا على مصالح جميع أفراد المجتمع. حقيقة القول تنال ظاهرة التضخم من هيبة الحكومات وتعكس عجزها على إيجاد الحلول الناجعة لمعالجتها الأمر الذي ربما يفسر اندفاع السلطات في دول المنطقة للوقوف أمام هذا المارد الخطير عن طريق تعزيز مصادر الدخل للمواطنين.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2034 - الإثنين 31 مارس 2008م الموافق 23 ربيع الاول 1429هـ