تشير المادة رقم (89) من دستور البحرين أنّ الشوريين والنواب يمثلون شعب البحرين قاطبة، بمعنى آخر أنّ الشعب قد وضع ثقته في الممثلين عنهم سواء المعينين أو المنتخبين انتخابا مباشرا من قبلهم. وهؤلاء الممثلون عن الشعب يجب أنْ يعكسوا مطالب الناس عندما يشرّعوا القوانين أو عند استخدام أدواتهم الدستورية التي كفلها لهم الدستور. ويجب ألا يغفل الممثلون أنهم محاسبون أمام شعبهم في حال تقصيرهم ومناكفتهم لمطالب شعبهم أو عند اهتمامهم بأمور لا يراها الشعب أنها ذات جدوى في فترة زمنية معينة.
ولكن كيف يشعر شعب البحرين أنّ مَنْ يمثلهم هم الشوريون أو النواب، وأنّ الذي يجب أن ينتزع منه المطالب هو جهة معيّنة كالحكومة مثلا. الاعتقاد السائد لدى أكثرية شعب البحرين أنّ مَنْ يمثلهم هم من انتخبوهم مباشرة، وأنّ الشوريين لا يمثلون إلاّ أنفسهم أو مَنْ عيّنهم، وأنهم عين الحكومة على الناس. هذا الاعتقاد الخاطئ له مبرراته وأسبابه، وهناك الكثير من العوامل التي لعبت دورا في هذا المفهوم. وربما يكون السبب هو أعضاء السلطة التشريعية أنفسهم الذين يسعى بعضهم في تحقيق مكتسبات على حساب الآخر، والى تكريس هذا المفهوم بطرق مختلفة. وعلى الرغم من مشروعية هذا التوجّه في أعرق الديمقراطيات إلا أنّ الناشئة منها لم تتعود على أسلوب كهذا خصوصا في ظل ضعف الثقافة البرلمانية السائدة بين شرائح كبيرة من شعب البحرين في دور المجلسين والحكومة. لذلك نجد في تجربة الشوريين أو النواب الاتهامات المتبادلة في تعطيل بعض القوانين أو الاقتراحات بقوانين أو في استخدام الأدوات البرلمانية التي أعطت الانطباع لدى غالبية الناس أنّ مَنْ يمثلهم في البرلمان هم المنتخبون فقط، وأنّ أعداء الشعب هم الشوريون والحكومة معا.
كما أنّ أعضاء الشورى أنفسهم لعبوا دورا كبيرا في تعزيز هذا المفهوم من خلال تصوير أنفسهم أنهم حماة الدستور وترك الساحة الشعبية لمن يسعى لدغدغة مشاعر الناس بالاقتراحات والرغبات والقوانين التي لا تطابق الدستور وتخالف اللوائح الداخلية المعمول بها وتقديم الحلول السحرية لمشكلات أي مواطن. كما أنّ طريقة الحكومة في التعامل مع المجلسين وثقتها في مجلس الشورى بالذات لعبت دورا مهما في إحساس المواطنين أنّ أعضاء الشورى لن يقدّموا ما يأملونه منهم وذلك من خلال لجوء الحكومة إلى المجلس في تمرير بعض آرائها في مشروعات القوانين التي تمس حياة المواطنين. وقد تجلّى ذلك في مشروع قانون باعتماد مبلغ 40 مليون دينار، حيث الهجوم المباشر من النواب على زملائهم الشوريين ولجوء الحكومة لمجلس الشورى في تمرير مرئياتها بغض النظر عن صحة التعديلات من عدمها التي أدخلت على المشروع الأصلي، سواء من النواب أو الشوريين. وكذلك التوافق الداخلي من بعض النواب مع الشوريين إلا أنها رسخت ذلك الانطباع السائد لدى الناس والمراقبين. كما أنّ الصحافة لعبت دورا محوريا في تعزيز هذه المفاهيم بحجج مختلفة، فتارة نجد بعض الصحف تناصر استخدام الأدوات الدستورية الصحيحة لأعضاء المجلسين وصحف أخرى تمانع وتتهجم مستغلة حرية الصحافة من جهة، وتنفيذ سياسة مسئوليها أنفسهم من جهة أخرى ومشاعر الناس خصوصا البسطاء منهم مع التنويه هنا إلى افتقار بعض الصحافيين إلى الثقافة البرلمانية الواجب توافرها في الصحافي البرلماني الذي يستطيع أنْ يعطي رأيه بعيدا عن الإثارة الصحافية لأهداف ومصالح معيّنة.
ولتجاوز هذا المفهوم الخاطئ ينبغي أنْ يمارس الأعضاء من المجلسين دورهم الحقيقي في التشريع واستخدام الأدوات الدستورية التي كفلها الدستور لهم وخصوصا أعضاء الشورى، والابتعاد عن دغدغة مشاعر الناس لمصالح انتخابية مستقبلية في تلبية ما يطلبون بغض النظر عن توافقه مع الدستور أو ضده والاتفاق مع شركاء القرار قبل إثارتها في الصحافة وإخبار الناس بها، كرفع الرواتب مثلا الى 500 دينار وتوفير المنازل والغرف بحسب طلب أيّ مواطن وغيرها من الأمثلة. كما يجب أنْ يدرك الناس من خلال الصحافة وممثلي الشعب الشوريين والنواب أنّ الحكومة جزء من الشعب وأنّ وزراءها هم من أبناء البحرين المخلصين ملتزمين بسياسة معيّنة في المجالات والتخصصات كافة، وأنّ أعضاء السلطة التشريعية عونٌ لهم لنقل متطلبات الناس واحتياجاتهم ومتابعة تنفيذها. ومساعدتهم على تطوير وتنفيذ الالتزامات الإقليمية والدولية في إطار دستور البحرين.
إقرأ أيضا لـ "حسين خميس"العدد 2033 - الأحد 30 مارس 2008م الموافق 22 ربيع الاول 1429هـ