العدد 2033 - الأحد 30 مارس 2008م الموافق 22 ربيع الاول 1429هـ

العراق لبنان فلسطين... والمنعطفات الجديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاثة ملفات ستفتح بقوّة بعد انتهاء أعمال القمّة العربية في دمشق. فالملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية وصلت إلى حدها الأقصى تقريبا ولم يعد بالإمكان تمديد تفاعلاتها من دون تحريك أوراقها أو خلطها أو فرزها. فالتحريك أصبح ضرورة سياسية لتوليد ديناميات قادرة على تأسيس توازنات تدفع نحو الاستقرار أو تطلق شرارات تساهم في تشكيل منعطفات جديدة في الأزمات الثلاث.

الملف العراقي دخل منذ أسبوع دورة جديدة من العنف الأهلي برعاية الاحتلال الأميركي. والدورة التي بدأت شرارتها في البصرة وامتدت إلى محافظات الجنوب وصولا إلى الوسط وبعض ضواحي بغداد أطلقت إشارات سياسية باتجاهات جغرافية مختلفة. فهي رسمت خريطة انقسام بين مراكز القوى في المناطق الشيعية وبدأت تستقطب مجموعات سياسية في دائرة تحتاج إلى وقت للتعرف على توجهاتها المحلية والإقليمية. وهي أيضا أعادت تشكيل صورة التحالفات المحلية والإقليمية في سياق مغاير نسبيا لتلك المعسكرات الحزبية التي تأسست عليها حكومة نوري المالكي.

معركة البصرة التي راهن عليها الرئيس جورج بوش واعتبرها بداية لتأسيس «دولة جديدة» لم تنته فصولها. ولكن الواضح من الدخان الكثيف الذي أطلقته أنها نجحت في إرباك طهران التي حاولت قدر الإمكان تجنب حصولها أو الوقوع بها. وموقف طهران المحايد ودعوتها لوقف الاقتتال وعودة الحوار بين الأطراف المتنازعة يشير إلى أنّ القيادة السياسية الإيرانية لم تحسم خياراتها النهائية بشأن الملف العراقي. فمن الناحية النظرية تبدو كلّ الأطراف المتقاتلة في البصرة وجوارها ومحافظات الجنوب صديقة لطهران أو على الأقل لا تريد كسب عداوتها. ومن الناحية الميدانية تبدو تفصيلات الصورة مغايرة لتلك التلاوين بين المالكي وحزبه وفيلق بدر ومجلسه الإسلامي وبين «جيش المهدي» والجماعات الأهلية المنضوية تحت مظلة الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر.

معركة البصرة التي أعلن عن تجميدها مؤقتا أطلقت موجات سياسية لم تستقر حتى الآنَ على صورة نهائية. ولكن الظاهر من الموضوع أنها ستنتهي إلى «لا غالب ولا مغلوب». والتوازن السلبي بين الطرفين سينتج أهليا تحالفات سياسية لا يستبعد أنْ تلعب دورها في إعادة فرز المعسكرات محليا وإقليميا ودوليا. وهذا الفرز السياسي سيساهم في اصطفاف القوى في ضوء توازنات ميدانية لا يستطيع الاحتلال الأميركي تجاهل تأثيراتها. كذلك يمكن أنْ تساعد على بلورة الموقف الإيراني الحائر بين حلفاء أمس وأصدقاء اليوم. فهل تتخلى طهران عن «فيلق بدر» الذي رعت تأسيسه على مدى ثلاثة عقود وتتحالف مع قوّة الصدر الجديدة الصاعدة أم تحاول التوفيق بين الحليف والصديق؟ تردد إيران يكشف عن وجود قلق من تطوّر حركة الصراع في العراق في ضوء احتمال البدء في انسحابات أميركية جزئية في الشهور المقبلة. وإعادة الانتشار التي تخطط واشنطن لتنفيذها تطرح علامات استفهام عن مدى النفوذ الإيراني وقوّته ودوره في التأثير وخلط التوازنات وتغيير المعادلات. والإجابة عن الاستفهام يرتبط إلى حد بعيد بالرد على سؤال: هل ما حصل في البصرة وجوارها هو نتاج التقاطع الإيراني - الأميركي في العراق أو هو نتاج تخالف المصالح في بلاد الرافدين؟ ارتباك طهران أعطى إشارات سلبية بعدم وجود رغبة إيرانية في الذهاب بعيدا في معركة «كسر العظم». والارتباك ليس كافيا لتوضيح حقيقة الموقف من موجة دموية حصلت في داخل دار الحلفاء والأصدقاء.

الملف العراقي دخل بعد معركة البصرة منعطفا قد يؤدّي إلى خلط الأوراق وإعادة فرزها إلى محاور ليس بالضرورة منسجمة مع تلك التوازنات التي تستند إليها حكومة المالكي. وبانتظار أنْ ينقشع دخان المعركة لابدّ من مراقبة التصرفات الأميركية وردود الفعل الإيرانية عليها سواء كانت باتجاه التقاطع أو التخالف.

لبنان وفلسطين

الملف اللبناني أيضا دخل بعد معركة مقاطعة قمّة دمشق مرحلة جديدة لن تعيد تكرار تلك الموجات الصوتية التي استقرت عليها الأزمة منذ توقف العدوان الأميركي - الإسرائيلي في صيف 2006. فالمقاطعة الخاطئة في جوهرها السياسي أحدثت صدمة يمكن توقع تموجاتها في الفترة المقبلة وتحديدا قبل 22 إبريل/ نيسان المقبل وهو الموعد الجديد لانتخاب رئيس للجمهورية. جلسة الانتخاب المقبلة تشكّل مناسبة للتعرف إلى حقيقة التوجهات السياسية السورية بعد صدمة المقاطعة اللبنانية التي يبدو أنها أربكت دمشق ووضعت قيادتها على منعطف قرارات قد تكون حاسمة سلبا أم ايجابا.

بغض النظر عن طبيعة الألوان التي ستظهر خلالها السياسة السورية في الأسابيع المقبلة يمكن القول إنّ وظيفة تعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان استنفدت أغراضها ولم يعد بالإمكان الاستفادة أكثر مما حصل من فترة «الفراغ الهادئ». وبوصول التعطيل إلى شوطه الأخير باتت السياسة تتطلب التفكير بمنهجية مغايرة وخصوصا أنّ تمديد أزمة الرئاسة بدأ يطلق شرارات مضادة تؤذي مختلف الأطراف وليس «الدولة» اللبنانية فقط.

الملف الفلسطيني بدوره دخل محطة جديدة بعد مشاركة الرئيس محمود عباس في أعمال القمّة في عاصمة مقر حركة «حماس». مشاركة عباس شكّلت صدمة أحدثت مفاعيل تحاكي صدمة المقاطعة اللبنانية. فالمشاركة كانت مستبعدة نسبيا ولكن حصولها أربك التحالفات التي استقرت منذ أكثر من سنة على ثنائية فلسطينية تجاذبت قواها مؤثرات إقليمية لعب خلالها المحور السوري - الإيراني دوره في تخليقها. وجاءت المشاركة لتطلق إشارة سياسية باتجاه الاستعداد للمصالحة في ضوء «إعلان صنعاء» الذي وقعته فتح وحماس. وعلى رغم اختلافهما على تفسير «الإعلان» شكّلت الخطوة محاولة لاحتواء تداعيات أزمة خسرت خلالها القضية الفلسطينية الكثير من رمزيتها.

ذهاب عباس إلى دمشق في وقت بدأت فيها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولتها الثانية في أقل من شهر للأردن وتل أبيب ورام الله أرسل إشارة عن وجود نوع من الإحباط الفلسطيني من وعود واشنطن بالمساعدة على بناء قواعد انطلاق لمشروع «دولة قابلة للحياة». فالوعود كما يبدو استنفدت أغراضها ولم يعد بإمكان إدارة جورج بوش المراهنة على فكرة غير قادر على تنفيذها في ظل سياسة إسرائيلية تعتمد استراتيجية التقويض والاستملاك والاستيطان والقتل اليومي.

الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية التي كانت حاضرة بقوّة في جلسات القمّة العربية في دمشق يرجح أنْ تفتح أوراقها في إطارات مغايرة لتلك التي استقرت عليها في الفترة الماضية. فالعراق بات أمام استحقاقات خطيرة بعد أن بلغت دورة العنف محطة جديدة أخذت تخرق علاقات أهلية تأسست على تحالفات إقليمية وجوارية. وهذا الخرق الدموي أربك مختلف الأطراف وطرح مجددا ذاك السؤال عن المدى الذي وصلت إليه المفاوضات الأميركية/ الإيرانية بشأن بلاد الرافدين. ولبنان بات أيضا أمام استحقاقات خطيرة بعد أن بلغت دورة «الفراغ الهادئ» طورها الأخير ولم تعد قادرة على الاستمرار في لعبة الرهان على الحظ (الروليت) بعد أن انكشفت الأرقام على الطاولة. والصدمة اللبنانية التي أربكت القيادة السورية وضعت الأزمة المحلية على سكة حديد ولن تعرف التوجهات قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 22 إبريل. وفلسطين بدورها أصبحت أمام خيارات قاسية في فترة تشهد خلالها الإدارة الأميركية اضطرابات في توجهاتها بسبب ضغوط الشارع واستحقاقات انتخابات الرئاسة والصراع الجمهوري الديمقراطي عليها. واشنطن الآن في سباق مع الوقت وهي لم تعد قادرة على استثمار وعود تؤكد الوقائع يوميا أنها ملفقة أو على الأقل غير قادرة على تحقيقها ميدانيا... وتحديدا قبل عودة بوش إلى المنطقة في مايو/ أيار المقبل للمشاركة في ذكرى تأسيس «إسرائيل».

الملفات الثلاثة بدأت في المرحلة الراهنة تستنزف طاقاتها بعد أنْ وصلت إلى حدها الأقصى تقريبا ولم يعد بالإمكان المراهنة على تمديد تفاعلاتها من دون إعادة خلط لأوراق التحالفات. فالتحريك يعطي الوقود الكامنة حيوية قد تساعد على توليد ديناميات قادرة على دفع العجلات نحو منعطفات تعيد إنتاج الأزمات الثلاث في صور مغايرة للفترة السابقة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2033 - الأحد 30 مارس 2008م الموافق 22 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً