في سبعينيات القرن الماضي مع فورة الثورة النفطية وما تلاها من صناعات وازدهار اقتصادي باتت دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى العمالة. فتوافد ملايين العمال الأجانب، من سريلانكا والفلبين وبنغلاديش والهند وباكستان والبلدان العربية أظهر أنه لابد من نظام ينظم ما صار يوصف بـ «غزو» العمال الأجانب، الذي تتعرض له الدول الخليجية، فكان أن أقر نظام «الكفالة».
ما عرف بـ «نظام الكفيل» يتخلص في أنه لا يمكن للأجنبي العمل في الخليج - قانونيا - إلا بوجود مواطن خليجي يكفله، ويكون - غالبا - صاحب العمل نفسه، الذي يتقدم بطلب إلى وزارة العمل، التي تمنحه التصريح باستقدام عمالة أجنبية، بعد استيفاء الشروط الضرورية. بعدها يبحث صاحب العمل أو «الكفيل» عن العامل، عبر مكاتب التوظيف أو بشكل شخصي.
عندما يصل العامل الأجنبي إلى البحرين يصبح - بموجب هذا النظام - ملتزما العمل لدى كفيله لعامين، مهما كانت ظروف العمل، ولا يحق له الانتقال إلى عمل غيره إلا بإذنه، كإعارة من الكفيل الأول للثاني لمدة ستة أشهر، ويتم تجديدها بحسب موافقة الأول، عبر نقل الكفالة، وهو ما يراه ناشطون في حقوق الإنسان «شبيها بنظام الرق»، وهو الأساس الذي انتقدت به الولايات المتحدة البحرين ووضعتها على قائمة دول «الاتجار بالأفراد».
«الكفيل» مسئول عن «المكفول» ماديا وقانونيا ومعنويا. وتتم معظم تعاملات المكفول مع الجهات الحكومية وتعاملاته المصرفية أو الاجتماعية مثل شراء سيارة، أو الحصول على رخصة سواقة، حتى استقدام زوجته وأولاده عن طريق «الكفيل» نفسه. وحينما يلغي الكفيل إقامة مكفوله فلا يحق له العودة إلى هذا البلد إلا بعد مضي عامين، أو بموافقة الكفيل على عودته. ولعل أسوأ ما يتعرض له المكفول احتفاظ الكفيل بجواز سفره، فلا يستطيع السفر إلا بإذنه.
ناشطون في حقوق الإنسان والدول المصدر للعمالة الأجنبية والدول المتقدمة يجمعون على أن هذا الإجراء يُعد مخالفة للقوانين الدولية التي «تحظر فرض قيود لمنع الأشخاص من التنقل والسفر»، كما جاء في المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويتقاضى «المكفول» من «كفيله» أجرا مقابل إنجاز العمل المطلوب منه. ويمكنه أن يقدم شكوى إلى الجهات المعنية في حال تعرضه لمخالفات أو انتهاك لقوانين العمل. ولكن كثيرين يقولون إن السلطات عادة ما تقف إلى جانب مواطنها «الكفيل»، كما أن جل هؤلاء المكفولين الذين غالبا ما يستقدمون من دول جنوب آسيا ومن أسر فقيرة ومعدمة يجهلون حقوقهم التي ينص عليها القانون، وبالتالي لا يعلمون أبسط الحقوق التي من مواجب «الكفيل» تقديمها إليهم.
في المقابل، ترى الجهات الرسمية أن نظام الكفالة وُضع ليكون «الكفيل» راعيا للعامل، ومساعدا للدولة على ضبط سوق العمالة، التي تمثل نسبة كبيرة من السكان، كما ترى أن لو تم إلغاء هذا النظام، فسيتدفق على البحرين مئات الآلاف من العمال من الدول الآسيوية والعربية؛ مما سينتج مشكلات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية.
الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان رأت أهم أسباب تردي أوضاع العمالة الأجنبية في البحرين يعود إلى ضعف آليات الشكاوى، وغياب آليات الحماية الدولية، وغياب الدور الفاعل للسفارات الأجنبية.
وتختص وزارة العمل في تلقي الشكاوى العمالية والعمل على حلها وديا بين الكفيل والمكفول. إلا أن جهل العمال بتلك الآلية وخوفهم من خسارة وظائفهم يجعلانهم يحجمون عن الشكوى إلا في الحالات القصوى، كما أن دوائر الشكاوى العمالية لا تملك أية سلطة قانونية لإجبار الكفيل على إنصاف عماله، إذ إن وزارة العمل تعمل «وسيطا» بين الطرفين. لذلك ففي حال عدم التوصل إلى حل مرضٍ بين الطرفين تحول القضية إلى المحاكم، التي غالبا ما تنتهي بترحيل المكفول إلى موطنه.
وانتقدت منظمة العمل الدولية استمرار دول الخليج في تطبيق «نظام الكفيل» في التعاقد مع العمالة الأجنبية التي تفد إليها، إذ تُعِدّ المنظمة حاليا بدائل ومقترحات جديدة تضمن القضاء على هذا النظام الذي تصفه المنظمة بأنه عودة إلى «زمان الرقيق» من خلال تحكم الكفيل في كل أمور العامل المكفول على ذمته طوال فترة وجوده في البلاد.
قالت المنظمة إن نظام الكفيل من السلبيات التي تجعل دول الخليج بأسرها في محط انتقادات منظمة العمل الدولية، مطالبة الدول الخليجية غير مرة بالبحث عن بديل لهذا النظام.
ووجهت منظمة العمل الدولية إنذارا شديد اللهجة إلى دول الخليج لحثها على اتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على هذا النظام «غير العادل الذي يتسبب بإلحاق أضرار بالغة بالعمالة الوافدة ويجعلها عرضة لتجار الإقامات وبالتالي تحصيل مبالغَ ماليةٍ مقابل توفير فرصة عمل».
العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ