العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ

المواطنة... حقوق وواجبات

نظم معهد التنمية السياسية ندوة «ثقافة المواطنة لدول مجلس التعاون الخليجي» يومي 24 و25 فبراير/ شباط 2008. وشارك فيها أكثر من 100 من الأكاديميين والباحثين والفاعلين في المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى الأردن الشقيق.

ومن الملاحظ أنه باستثناء المشاركة الرسمية من قبل البحرين وأمانة مجلس التعاون الخليجي، من خلال كلمات جلسة الافتتاح، فقد غاب المسئولون عن جلسات الحوار اللاحقة، وكأنهم اكتفوا بالحضور الاعلامي في الصحافة والمحطات الفضائية.

لا يسعفنا الإرث التاريخي العربي الإسلامي في تأصيل فكرة المواطنة أو ممارساتها. فالارث التاريخي للمجتمع العربي وللدولة العربية مديد في استبداديته وبالتالي في علاقة الدولة بمن تحكم. على امتداد أكثر من 1300 عام من الحكم العربي والإسلامي باستثناء حكم الرسول (ص) والخلفاء الراشدين الأربعة فإن الحكم العربي أو المسلم ينظر إلى السكان الذين يحكمهم على أنهم رعايا خاضعون لإرادته المطلقة، والفرق هنا نسبي في درجة الإخضاع تبعا للدين سواء أكان مسلما أم ذميا (وفي حكم الكافر) أم عربيا أم مواليا، أم الثروة أم القرب والبعد عن عصبة الحكم، أم الجنس رجلا أو امرأة إلى آخر المراتب والتصنيفات. إن فكرة المواطنة قد أتت إلى العالم العربي على يد الإصلاحيين الأوائل الافغاني ومحمد عبده والبستاني والكواكبي الذين استمدوها من الغرب وخصوصا من فرنسا التي تعتبر أول دولة أصدرت وثيقة حقوق المواطن في تسعينيات القرن الثامن عشر إثر الثورة الفرنسية. وبالتأكيد هناك عوائل كثيرة ساهمت في انتقال مفهوم المواطنة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات من خلال التفاعل المتعدد الأوجه بين الغرب (أوروبا وأميركا) والعرب كما أن ذلك يرتبط دوليا بقيام عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى والتي ساهمت في تأكيد حقوق الدول في السيادة وتأكيد هويتها الوطنية. ولكن النقلة المهمة أتت بقيام الأمم المتحدة في 1945 ومنظماتها لاحقا، وما تضمنته لاحقا بشكل جازم من تأكيد المواطنة وحقوقها وواجباتها في حدود الدولة القومية.

وبناء عليه، إن الاعتراف القانوني بالمواطنة وحقوق المواطن وواجباته قد تم تضمينه في دساتير الغالبية العظمى من الدول العربية التي تم تكريس استقلالها مثل مصر أو نيلها الاستقلال على امتداد الوطن العربي.

وبالنسبة إلى منطقة الخليج (دول مجلس التعاون الست واليمن) فهناك بالتأكيد فجوة لا تقل عن عقدين من التطور السياسي عن باقي الدول العربية.

وهنا أقصد نيلها استقلالها أو بناء دولتها «الوطنية» التي أطلق عليها مدير شبكة «الجزيرة» وضاح خنفر «الدولة الترابية» (Terretorial State)، أي الدولة التي أقيمت ضمن حدود قسرية وليس لتجانس سكانها وامتلاكهم هوية وطنية جامعة بالنسبة لدول المجلس الست فإن حتى منح الاستقلال من قبل المملكة المتحدة (باستثناء السعودية) خلال الفترة 1962-1971 كان يطلق على السكان المحليين رعايا وهذه مثبتة في جواز السفر والوثائق الأخرى. لكن في مرحلة ما بعد الاستقلال تطور الوضع القانوني للسكان المحليين وأضحوا مواطنين كما نصت الدساتير في الكويت والبحرين وقطر والإمارات والنظم الأساسية (كما في السعودية وعمان) على جملة من الحقوق والواجبات والضمانات للمواطن فردا أوالمواطنين مجموعة بمفردهم أو ضمن روابط تجمعهم، تتراوح من بلد للآخر، كما أن هذه الحقوق والواجبات والضمانات تطورت مع مرور الزمن وفي إطار تطور المجتمع الخليجي السريع والتطورات العربية والدولية، وبالتأكيد في ضوء النضالات التي خاضتها الجماهير في مختلف دول المجلس، ومنظماتها السياسية والنقابية والأصلية، والمعارضة خصوصا.

وعلى رغم أنه يجرى تصوير إعطاء هذه الحقوق والضمانات حتى اليوم بمثابة منح ومكرمات من الحكام فإن الحقيقة تقول إنها لم تعطَ إلا بعد مخاضات عسيرة وتضحيات وأزمات عصفت باستقرار هذه البلدان وفي حالة الكويت، هددت كيانها بالزوال ولكنه حتى اليوم يلاحظ تمييز فاضح انطلاقا من اعتبارات الجنس والدين والمذهب والأصل سواء أكان ذلك مقننا في الدستور والقوانين أم غير مقنن. فالمرأة إلى وقت قريب لا يحق لها ممارسة الحقوق السياسية المحدودة، والمجنسون محرومون من الحقوق ذاتها حتى وقت قريب.

وبالاساس إن اكتساب المواطنة وإن كان قضية سيادية إلا أنها لا تتماشى مع المفاهيم السائدة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، من حيث إن من أقام بصفة دائمة ويساهم إيجابيا في اقتصاد البلد المضيف وليس له سجل اجرامي يكون مؤهلا للمواطنة، بحسب اجراءات يخضع لها الجميع وتقرر من قبل هيئة وطنية مستقلة. لكن الذي يحدث في معظم دول الخليج كون التجنيس يخضع إعداده للحكم ولاعتبارات الروابط القبلية أو المصلحية، ولو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية ويتخذ طابع التجنيس الحاشد وليس التدريجي المخطط. ومن هنا إن المجنسين لا يندمجون في مجتمعاتهم ومؤسساتهم بل نرى العكس في نشوء توترات بين المجنسين والمواطنين الأصليين، إضافة إلى عامل فرقة جديد بين أبناء الشعب إذا كان التجنيس غير مشروع بالصورة التي ذكرنا. فنزع الجنسية عن قبيلة أو أسرة ما في رد فعل عصبي بسبب الشك في الولاء حتى جريمة عادية هو فعل غير مشروع ويفاقم مسألة ولاء هؤلاء واندماجهم في مجتمعاتهم.

يواجه المجتمع الخليجي والدول الخليجية معضلتين أساسيتين في مسألة المواطنة وهما ضعف الانتماء الوطني أو الشعور بالمواطنة، بسبب قوة الانتماءات الفرعية الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية في ظل غياب المواطنة المتساوية وتمييز الدولة استنادا لهذه الاعتبارات وغيرها، إلى جانب إمعان الدولة في فرض اعتبار الولاء للحاكم أو الحكم أو الأسرة الحاكمة بأنه الولاء للوطن، وفرض الهوية الدينية والمذهبية الثقافية لهم على الشعب بغض النظر عن التعددية الثقافية والدينية والمذهبية لهذا الشعب.

كلنا يعرف أن هناك ضمورا في المواطنة والشعور بها وغالبية الكتّاب يجمعون على أن من أسباب ذلك غياب المشاركة السياسية التي تولد شعورا بالمسئولية، وغياب الديمقراطية ومؤسسات وممارسات فعلية، وغياب المساواة والعدالة القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغياب الحريات الأخرى، وسيادة نظام التمييز والامتيازات؛ مما يخلق عقلية نفعية لدى الكثيرين في نظرهم إلى الوطن، وعقلية مستقلة لدى غالبية الشعب، بكونهم مضطرين للعيش في هذا الوطن، وهم على أية حال أفضل وضعا من إخوتهم في الدول العربية إذا ما أخذنا بالاعتبار مستوى المعيشة والأمان والحريات الفردية وغيرها.

عقد اجتماعي جديد

إذا كانت جميع الأسر الحاكمة في الخليج وعمر بعضها أكثر من 300 عام تحكم اليوم امتدادا لحكم ممتد في ظل الحماية البريطانية فإن عهد الاستقلال قد دشن مرحلة جديدة.

وجد البعض منها أنها مضطرة لصوغ دستور بمثابة العقد بين الاسرة الحاكمة والشعب وقوانين تنظم ممارسة هذا الدستور وتسيير الحياة العامة والأجهزة لتنفيذ ذلك ولكنه في ضوء التطور الكبير في الوعي والتعليم الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية والانفتاح على العالم، وحالة العولمة التي نعيشها، هناك حاجة ماسة لعقد اجتماعي بين الدولة والشعب، بين الحاكم والمواطن.

يعرف الجميع أن الدستور هو القاعدة القانونية لذلك، وتبنى عليه منظومة من القوانين والتشريعات ويجرى تبعا لذلك بناء مؤسسات الدولة من رأس الدولة إلى أصغر مؤسسة في قرية وكذلك بناء مؤسسات المجتمع المدني الجامعة للمواطنين من دون تمييز بدءا بالاحزاب وانتهاء بصناديق التوفير في المدرسة وكذلك قطاع الأعمال الشريك الاقتصادي والاجتماعي، ومؤسسات الإعلام أو السلطة الرابعة، عين المجتمع وأذنه.

لم يعد مجديا القول إن الشعب قاصر عن ممارسة السلطة والحكم. فليس حكامنا من طينة أخرى، والمواطن الخليجي يقوم بأرقى المهن، وممارسة السياسة لا تحتاج إلى مهارات أكثر منها. كذلك التعلل بصيغ مبهمة مثل الشورى والمجالس الاستشارية والمجالس المفتوحة. فنحن الآن في دول معقدة البنيان ومجتمعات معقدة التركيب ولا تصح معها أساليب حكم القرية أو القبيلة. من هنا أكد غالبية المشاركين خيار الحكم الديمقراطي الدستوري والمستمد من قيم الحرية والعدالة والمساواة التي أرساها الاسلام وكذلك إسهامات الحضارات الأخرى في ترسيخ القيم الإنسانية وتعزيزها، وتطوير نماذج الحكم الديمقراطي - وهي إن تباينت - تشترك في المنطلقات، كما أجمع الحاضرون على ضرورة إشاعة ثقافة التسامح والديمقراطية والمساواة بدءا بالأسرة وانتهاء بالمجتمع.

العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً