«تمتلك النساء نصف المواهب والمهارات التي يمتلكها أي مجتمع، وتعطيل هذا النصف بأي شكل من الأشكال أو عدم احتساب إنتاجيته يعد سوء استثمار للموارد البشرية الداخلة في احتساب عملية التنمية في أي مجتمع».
على هذا الأساس العام تبنى التقارير الدولية الخاصة بالنوع الاجتماعي (الجندر)، أو تلك الخاصة باتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» مؤشراتها، وتعتبره المنطلق الرئيسي لها في قياس المؤشرات المختلفة التي تضع على أساسها موقع أية دولة كانت في تعاملها مع «التمييز» بين المرأة والرجل.
وفي البحرين، يعتبر موضوع التمييز عموما من الموضوعات المطروحة جديدا على الساحة المحلية، وعندما يأتي الحديث عن «التمييز ضد المرأة»، تتضاعف هذه الحدة، بناء على ما اعتدنا عليه من كون القضايا المتعلقة بالمرأة لابد أن تطرح ثانيا، أو عاشرا.
انضمت مملكة البحرين لاتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في العام 2002، في وقت كانت البحرين تدخل فيه عصرا من الديمقراطية الجديدة، بمشروع إصلاحي سياسي متكامل، كان النهوض بالمرأة فيه جزءا لا يتجزأ من اكتمال هذا المشروع.
وبعد 6 سنوات من انضمام البحرين لهذه الاتفاقية، لاتزال قضايا التمييز ضد المرأة مطروحة بإلحاح على الساحة النسوية في البحرين، تتقدمها إشكالية رئيسية تتلخص في «الفجوة» بين التشريعات العامة، وبين القوانين المحلية وتطبيقاتها.
فالمرأة مواطنة كاملة كفل كل من الدستور وميثاق العمل الوطني لها مواطنتها تلك في جميع الموضوعات، غير أن التطبيق الفعلي عبر القوانين المحلية يشهد فجوة ملحوظة تفسير هذه المواطنة الكاملة، بما يشكل أهم قضايا التمييز التي تطالب بها الناشطات النسائيات في البحرين حاليا.
وعلى رأس هذه القضايا هي المطالبة بتعديل قانون الجنسية لصالح المرأة البحرينية، بشكل يعطيها فيه الحق لمنح جنسيتها لأبنائها إن كانت متزوجة من أجنبي، بشكل يعادل الرجل الذي يمنح فعلا جنسيته لأبنائه عند زواجه من أجنبية.
وقد تمكنت البحرين بحسب تقرير الفجوة الجندرية الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 من سد ما معدله 0.593 من الفجوة الجندرية فيها (من نسبة 1 للمساواة الجندرية)، وبذلك حققت ترتيب 115 من بين 128 دولة.
تمييز يرتفع في السياسة والاقتصاد
رفعت مملكة البحرين رسميا للمرة الأولى منذ تصديقها تقريرها بشأن اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة «سيداو» أخيرا، شملت فيه كل البنود الواردة في الاتفاقية، وكل ما يدل على مستوى التمييز ضد المرأة - إن وجد - في البحرين في تلك البنود. وكان أبرز ما أكده هذا التقرير هو الفجوة بين عدد النساء والرجال في كل من القطاعين السياسي والاقتصادي. فعدد النساء اللاتي وصلن إلى مراكز اتخاذ القرار في المؤسسات الاقتصادية أو السياسية محدود مقارنة بعدد الرجال، ناهيك عن وجود فجوة في إمكانية ترقي النساء في مواقع العمل.
ما يؤكد هذه النظرة ما ورد في تقرير الفجوة الجندرية الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، والذي بين فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية أن البحرين سجلت المرتبة 124 بنسبة بلغت 0.39 في المئة من سد الفجوة الجندرية. وفي تفصيلات ذلك بين التقرير أنه فيما يتعلق بمشاركة المرأة في قوة العمل حصلت البحرين على المرتبة 124، إذ بلغت مشاركة الإناث 31 في المئة في مقابل 89 في المئة للذكور، وبذلك تسجل معدلا يبلغ 0.34 في سد الفجوة الجندرية في هذا العامل.
وسجلت البحرين نسبة مرتفعة فيما يتعلق بنسبة المساواة في الأجور بين الذكور والإناث عند القيام بالعمل نفسه (والذي اعتمد على نتائج استبانة عالمية)، كانت مرتبة البحرين هي 64، بمعدل بلغ 0.66. فيما قلت النسبة فيما يتعلق بمعدل الأجور بين الرجال والنساء إذ حصدت البحرين المرتبة 110، فقد كان نصيب النساء من الأجور هو 9.654 ألف دولار أميركي بالنسبة للنساء، ويتضاعف العدد إلى 29.107 آلاف دولار أميركي بالنسبة إلى الرجال، وبذلك تتقلص الفجوة إلى 0.33 في هذا العامل. أما فيما يتعلق بعامل وصول المرأة إلى الدرجة التشريعية والمواقع التنفيذية والإدارية المتقدمة فقد حققت البحرين المرتبة 94، بنسبة 10 في المئة فقط بالنسبة إلى النساء، و90 في المئة بالنسبة إلى الرجال. في مقابل نسبة أفضل فيما يتعلق بوجود النساء في مواقع العمل التقنية والتخصصية والتي حققت البحرين فيها المرتبة 99، بنسبة 19 في المئة للنساء، و81 في المئة للرجال، وهو ما يبين الفجوة الجندرية بمقدار 0.23 فقط.
المرأة في مواقع صنع القرار
ومثلما تعتبر الفجوة كبيرة فيما يتعلق بالتمكين الاقتصادي للمرأة في البحرين، بما يشكل تمييزا ضدها، كذلك هي الفجوة في واقع التمكين السياسي. مع أرقام محدودة للنساء في مواقع صنع القرار السياسي (وزيرة واحدة، نائبة وحيدة في البرلمان دخلت بالتزكية، 11 عضوة في مجلس الشورى من بين 40عضوا). وعلى رغم محدودية الأرقام التي لا تعتبر مؤشرا حقيقيا عن الواقع في الغالب، فإنها تعطي صورة بسيطة عن الوضع. ومثلها مثلما ورد في تقرير الفجوة الجندرية الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في نوفمبر 2007 بشأن الفجوة الجندرية في المؤشر السياسي في البحرين، إذ حققت البحرين المرتبة 121 فيما يتعلق بالتمكين السياسي للمرأة فيها وذلك بمعدل 0.31 فقط من إغلاق الفجوة الجندرية. وكان هناك عدد من المؤشرات التي أوصلت البحرين لهذه المرتبة، فقد وصلت مرتبتها فيما يتعلق بوجود النساء في البرلمان إلى 122، بمعدل بلغ 0.03 فقط، أي ما يعادل 3 في المئة فقط من التمثيل النسائي في البرلمان مقابل 98 في المئة من التمثيل الرجالي. وتتحسن النسبة قليلا فيما يتعلق بمؤشر النساء في المواقع الوزارية، إذ حققت البحرين المرتبة 87، بمعدل 0.10 فقط من إغلاق الفجوة، وهو ما يعني تمثيلا نسائيا بنسبة 9 في المئة، في مقابل تمثيل رجالي بلغ 91 في المئة.
وتتحسن المرتبة أكثر في المؤشر الثالث، الذي يبين أن عدد السنوات التي وصلت فيها المرأة إلى مواقع إدارية مرتفعة خلال الخمسين عاما الماضية، إذ حققت البحرين المرتبة 42. على رغم أن الأرقام تشير إلى أن عدد الذكور في هذه المراكز يصل إلى 50، ولا توجد أية امرأة في هذا الموقع.
المؤشران التعليمي والصحي
تتحسن الصورة فيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة فيما يتعلق بالمؤشرين التعليمي والصحي، فمن الواضح أن البحرين اجتازت الفجوة التمييزية فيما يتعلق بالتعليم، إذ بلغت البحرين المرتبة رقم 59 في مؤشر تقرير الفجوة الجندرية 2007، بنسبة إغلاق للفجوة وصلت إلى 0.989. وسجلت البحرين المرتبة رقم 81 فيما يتعلق بمعدل الأمية، إذ تقاربت نسب الأمية بين النساء (84 في المئة) والرجال (89 في المئة) لتشكل معدلا لإغلاق الفجوة وصل إلى 0.94. وترتفع النسبة كثيرا فيما يتعلق بنسبة التمدرس بالنسبة للفتيات والفتيان في مراحل التعليم المختلفة (الابتدائية والإعدادية والثانوية) إذ تسجل البحرين على رغم تنافسها مع دول متقدمة كثيرة المرتبة الأولى في المساواة بين نسب التمدرس في المراحل الثلاث، وبذلك تغلق الفجوة الجندرية. (تتساوى نسبة الفتيات والفتيان في مراحل التعليم الابتدائية بنسبة 97 في المئة، فيما ترتفع نسب الفتيات في المرحلة الإعدادية لتصل إلى 93 في المائة عن الفتيان الذين تبلغ نسبتهم 87 في المئة، وتسجل تفوقا كبيرا في تمدرس الفتيات في المرحلة الثانوية الذي يبلغ 50 في المئة بالمقارنة مع تمدرس الفتيان في المرحلة نفسها الذي يبلغ 22 في المئة).
ولا يختلف الوضع الصحي كثيرا عن الوضع التعليمي فيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة، فالخدمات الصحية المقدمة للمرأة جعلها تسجل نسبة قدرها 0.961 من إغلاق الفجوة في تقرير الفجوة الجندرية 2007.
في المقابل حققت البحرين المرتبة 117 بين باقي الدول فيما يتعلق بمعدل الحياة، على رغم إغلاقها الفجوة الجندرية في هذا العامل بمعدل 1. إذ تساوى معدل الحياة بالنسبة إلى الرجال والنساء في البحرين بمعدل 64 عاما.
وأعطى التقرير عددا من المؤشرات الإيجابية بينت أن 99 في المئة من الولادات في البحرين تتم عن طريق فريق طبي متخصص، وأن 62 في المئة من النساء المتزوجات يقمن بتنظيم النسل أو استخدام موانع الحمل، ويصل معدل الوفيات لدى الأطفال إلى 13 طفلا بين كل ألف طفل يولد. ويبين التقرير أيضا أن معدل إجازة الوضع المدفوعة للنساء تصل إلى 45 يوما بنسبة مدفوعة من الأجر تبلغ 100 في المئة يقوم بتوفيرها صاحب العمل. وأن نسبة الخصوبة لدى المراهقات يبلغ 17.65 للفتيات المتزوجات في عمر ما بين 15 و19 عاما.
استمرار التمييز
على رغم الكثير من الجهود المبذولة على الصعيدين الرسمي والأهلي لإضافة تشريعات متخصصة تحمي المرأة من التمييز وتناهضه، فإن التمييز ضد المرأة في المجتمع البحريني لايزال موجودا وملموسا على مستوى التطبيق، والتشريع أحيانا. ويرتفع مؤشره في الجوانب الاقتصادية والسياسية، ويتضاءل في الجوانب الصحية والتعليمية، لكنه موجود في النهاية.
العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ