كان مجمل ما انتهى له عضو مجلس الشورى السابق عبدالحسن بوحسيّن أكثر من مجرد التحذير من خطة السياسات التمييزية في تفكك الدولة، كان محاولة لوضع النقاط على حروفها في ملف أصبح الوقوف له والتصدّي له واجبا وطنيا تفرضه مفردات الساحة الجديدة.
أطلق بوحسيّن دعوته لتعرية التمييز والتمييزيين في البحرين، مؤكّدا أنّ ولاء التمييزيين للدولة هو ولاء مصالح سينتهي قبالة ولاء أبناء البحرين الذي هو أصيل ممتد في جذورهم. ولعلّ أكثر ما يزيد من نمو سياسات التمييز في البحرين - بحسب بوحسيّن - هي الحوافز التي توفرها الدولة بين حين وآخر لهؤلاء، معتبرا سياسة توزيع الغنائم بالإرث أمرا لابدّ من الوقوف والتصدّي له.
تبدو قراءة بوحسيّن قادرة على توضيح المزاج الجديد للدولة، إذ يعتبر ما يجري الآنَ سياسة لشراء الولاءات وأنّ هذا الخرق في اللحمة الوطنية يتغذى على مثل هذه السياسات التي أثبت التاريخ فشلها. إجابات أخرى ورؤية أكثر ولوجا ووضوحا بشأن التمييز في البحرين، تجدونها في سياق الحوار الآتي:
* الأستاذ عبدالحسن بوحسيّن، كيف تقرأ التمييز اليوم في البحرين، هل هو ظاهرة حقيقية أو مجرد ورقة سياسية تطرحها المعارضة بين فينة وأخرى؟
- التمييز حقيقة معاشة يلمسها الفردٌ في حياته اليومية ويتعرّض لآثارها السلبية في تعاملاته أين ما ذهب، فهي تلاحقه في رزقه وتقرر مصيره وتصوغ مستقبله. فلم تعد الكفاءة والقدرة على العطاء الوطني هو المعيار بقدر ما هو الانتماء المذهبي والقبلي والعرقي. وهذا ما يؤكّده تمركز حالة الفقر والبطالة في فئة معينة من فئات الوطن، كما تؤكّده الأرقام الرسمية وفي مختلف المحاور الاقتصادية والمعيشية على رغم مستوى التعليم الذي لم يعد مؤشرا لتحسين مستوى المعيشة. فعندما توصد أبواب الرزق أمام الإنسان كيف يمكنه تحسين مستوى معيشته وتعليم عائلته؟
وفي مثل هذه الأوضاع المخيفة ليس أمام أيّ مواطن من خيار سوى تبني مكافحة التمييز الذي لم يستثن أحدٌ حتى من هم في خدمة الدولة. ولو تقاعست المعارضة في معالجة هذا الملف لهجرها أتباعها وفقدت مبررات وجودها. فتعرية التمييز هو أضعف الإيمان في الدفاع عن النفس. فاستعمال التمييز بشكل واسع لم يوفر لأحد فرصة لاستخدامه ورقة سياسية، بل أصبح رفضه ومكافحته واجب وطني وديني وأخلاقي، فإيذاء الإنسان لأخيه بالتهميش والاستئثار والتجويع ليس من الدين في شيء.
* في حال كان التمييز ظاهرة أو في طريقه؛ ليكون ظاهرة أو مكونا من المكونات السياسية في البحرين، فما هي مؤثراته المتوقعة على الوطن وعلى توازنات الطوائف في البحرين؟
- يعلمنا التاريخ أنّ انهيار الدول يبدأ من تفكيك أواصر شعوبها وضعف اللحمة الوطنية والانشغال بالصراعات الجانبية على حساب الإنتاج والعمل والإبداع والتنمية. في هذه الحالة يسهل اختراق الداخل . ولهذه الأسباب انهارت حضارات عريقة كالدولة الاسلامية في الأندلس، وآخرها احتلال العراق الشقيق بسبب الفرقة والتناحر الداخلي، وكما هو الحال كذلك في فلسطين. فالخوف ليس على فقدان التوازن الطائفي في البحرين، بل الخوف أكبر من ذلك ، انه الخوف من ضياع الوطن عندما نصبح جميعنا فيه غرباء . وأنا استغرب من اللامبالات وعدم أخذ الوضع على محمل الجد من قبل البعض وكأنّ الوضع لا يعنيه، ظنا منه أن النار لن تصل إلى داره، متناسيا أنّ الوطن هو دارنا جميعا، وانك لكي تعيش عليك أن تدع الآخرين يعيشون أيضا وهكذا يتحقق التوازن الطبيعي في المجتمع.
* هل تستطيع جملة القوانين في البحرين أن تضمن عدم انجرافها للتمييز في مختلف أجهزة الدولة، وماذا نحتاج على الصعيد القانوني ؟
- وجود القوانين أمرٌ ضروري لتنظيم علاقات الأفراد في المجتمع. وفي البحرين لدينا من القوانين الكثير. إلا أنّ هذه القوانين تصبح عديمة الجدوى إذا لم يتم تفعيلها ، وإذا لم نسع لتحقيق مصالحة وطنية ومصالحة سياسية نابعة من نوايا حسنة ورغبة أكيدة في القبول بالآخر. اننا قبل القوانين في حاجة إلى المصارحة والمصالحة.
إننا في حاجه لأن نحاور بعضنا بعضا لنطمئن إلى أنفسنا، فانهيار حاجز الثقة لا ترحمه القوانين المجردة. في تجارب الدول الأخرى كجنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأميركية كان الحل سياسيا أوّلا ثم قانونيا ثانيا. فقوانين مكافحة التمييز وقوانين تكافؤ الفرص سبقها اعتراف سياسي بالمساواة في حقوق المواطنة، تلاها تدوين هذا الاعتراف والتوافق الوطني في قوانين مكتوبة. ومع ذلك فتفعيل هذه القوانين لم يكن ممكنا لانصاف السود في الولايات المتحدة الأميركية مثلا إلا بإنشاء أنظمة لضمان المساواة كنظام الكوتا ونظام EEO تكافؤ الفرص في العمل، وتشكيل هيئات رقابية متعددة لضمان تطبيق القوانين والبرامج المنفذة. لهذه الأسباب يعجز العنصري عن ممارسة العنصرية على غيره فتبقى حبيسة ذاته خوفا من طائلة القانون الذي نحن في حاجه إلى تفعيله بالطريقة نفسها.
* تحدثتَ في مقالة لك عن الترابط بين مسألة التمييز والولاء للدولة، هل هناك شرح موسّع لرؤيتك؟
- ممارسة التمييز ضد الغير لا يعبّر عن حالة ولاء للدولة كما يحاول البعض تصويره. فإدعاء المدافعين عن التمييز بولائهم للدولة، إن وجد، هو ولاء وقتي لتلاقي المصالح والاشتراك في حالة من سوء الظن في الآخر عملا بمقولة عدو عدوي صديقي. وهذا النوع من التحالف المرحلي كما يعلمنا التاريخُ هو موقت ينتهي بانتفاء أسبابه. ولكونه تحالفا فئويا فهو خارج إطار المواطنة السليمة. وحيث إن ممارسات التمييز لا تخدم مصلحة الدولة على المستوى البعيد، فإنها لا تعبّر عن حالة من الولاء لها. فليس من العقل اعتبار استعداء الناس على الدولة بسبب التمييز ولاء لها، بل العكس هو الصحيح . فالولاء للدولة يتمثل في احترام دستورها وميثاقها وقوانينها ونظامها السياسي، والحفاظ على وحدتها الداخلية والإخلاص في العمل ومحبّة مواطنيها لا استعدائهم. البعض يعتبر الاختلاف مع ممارسات الجهاز الإداري لسبب معيّن كالفساد المالي مثلا حالة من عدم الولاء للنظام السياسي. وهذه مغالطة مكشوفة لاتصمد امام الحقائق. فالولاء للوطن والشرعية الممثلة في النظام السياسي لا يختلف عليه اثنان. أما التستر على الفساد وظلم الآخر والبيروقراطية فليس من الإسلام أو الولاء للوطن في شيء. فنصرة المخطئ تعني الأخذ بيده لا تشجيعه على الاستمرار في الخطأ . فذلك أشد كفرا ونفاقا.
* تحدثتَ أيضا في أحد مقالاتك أنّ التمييز في البحرين نتيجة لثقافة توزيع الغنائم، كيف يكون ذلك؟
- الجرأة التي يبديها البعض في الدفاع عن سياسة التمييز مبعثها الاطمئنان والأمن من العقاب الذي كما يُقال يؤدّي إلى إساءة الأدب. فالارتزاق من هذه الأعمال غير المسئولة هو الحافز لاحتضانها، ولولا الحوافز والمؤشرات التي يتلقاها هذا النفر لما تجرأ على تشطير الوطن بالتمييز فالتشطير وخلط الأوراق يخدم أجندات خاصة تحركها سياسة توزيع الغنائم التي لو توقف محركها لانعكست الأحوال وتوقف هذا النفر عن الاستهتار بدستور الوطن وقوانينه ومن ثم أمنه واستقراره.
إنّ نظام توزيع الغنائم قديمٌ في التاريخ ولولاه لما نجحت سياسة شراء الولاءات. ولو توقفت عملية الشراء لانفضت جمعيات التمذهب السياسي من حول النظام السياسي، ولتغيرت التحالفات. فالمصالح والغنائم هي الوقود المحرك لمكنة الاستقطاب ومنهجية فرق تسد.
* البعض يعتقد اليوم أنّ سياسات التمييز تتخطى المسألة الوطنية، بل أصبحت تطال طائفة معيّنة بجميع مستوياتها وبما يشمل التيارات التي عرفت بمشاركتها ومساندتها وإسهامها في بناء الدولة، لماذا تتجّه الدولة في هذا الاتجاه؟ كيف تقرأ هذه الصورة؟
- صحيح أنّ وطأة التمييز شديدة على فئة معيّنة ، وهذا لم يحدث اعتباطا، الا أن التمييز لدينا نسبي في معيار المفاضلة. فالبعض حقوقه الوطنية شبه مسلوبة في حين أن حقوق البعض الآخر منقوصة طبقا لمعايير التصنيف المعمول بها. فالتمييز طال الجميع ولكن بدرجات متفاوتة سواء على المستوى الجزئي (الفئة والطائفة) أو على المستوى الكلي (جميع الفئات المكونة للمجتمع). هناك بلا شك توجس وشك من فئة معينة، وهذا التوجس لا يستثني أحدا منها مهما بلغ شأنه ودرجة مشاركته ومساهمته في بناء الدولة. فهناك حدود لحجم الثقة الممنوحة، والحملة التي تطال الآنَ بعض الرسميين من طائفة معيّنة رغم الولاء المطلق بحسب معيار الولاء ليست محض صدفة، بل تصب كغيرها في هذا المنحى الخطير، الذي مرده في رأيي فقدان الثقة وكذلك التناغم مع دعوات الاستقطاب والاحتواء القادمة من الخارج والتي لا تريد لأيّ بقعة من الأرض العربية أن تتعافى. ومردّه كذلك تلك التحولات المتسارعه في المنطقة والتي يخشى البعض من وصول آثارها إليه، مما يستدعي التحصين والتمترس خلف سياسة تهميش وتذويب الآخر موضع الشك والريبة والتوجس. بل الذهاب لدرجة نشر هذا التوجس بين مكونات المجتمع؛ ليصبح الشك في نوايا بعضنا بعضا الحصن لدرء الرياح القادمة من الخارج. وهذا النوع من الانشطار الرأسي والأفقي يشارك في تغذيته الجميع بمن فيهم جمعيات التمذهب السياسي ، وكذلك أصحاب الممارسات المذهبية الخاطئة التي يتم استثمارها لخدمة أجندات خاصة.
* ما هو دور الفعاليات السياسية والحقوقية وما هي الأدوار المنوطة بها، وهل من كلمة أخيرة تختصر فيها المشهد السياسي؟
- الفعاليات السياسية والحقوقية والرموز الدينية أمام استحقاقات ومسئوليات وطنيه كبيرة. وعليها مراجعة سياساتها وطرق عملها وتحدد أولوياتها. فإمكانها أن تنجز الكثير لو توحّدت رؤاها تجاه مسائل وطنية مصيرية. ولكنها لن تستطيع فعل ذلك الا بالانفتاح على بعضها والقبول بالعمل ضمن برنامج وطني جامع لا فئوي أو سياسي أو مذهبي ضيّق. التفكير الوطني وليس الفئوي هو الخطوة الأولى للإصلاح السياسي. المكاشفة والحوار الصريح بين التيارات السياسية كفيلٌ بتبديد كثير من الشكوك والانشطار الأفقي. الرموز الدينية عليها التواصل لمكافحة ستار العزلة المفروض عليها. نحن في مجتمع صغير الا أنه منشطر بأسوار العزلة التي يتقادف البعض الحجارة من خلفها. الكل مسئول عن إزالة هذه الأسوار لزرعه الثقة بدلا من الشك والتوجّس من الآخر الذي يعتبر السبب الرئيسي لإحلال التفكير الفئوي مكان التفكير الوطني.
إنّ أبناء هذا الوطن مدعوون لكي يقتربوا وينفتحوا على بعضهم بالحوار الأخوي لإزالة الترسبات ليعرف البعض من الآخر على ما يريد، فالمشهد السياسي مرتبك وعلى جميع المستويات بسبب سياسة خلط الأوراق. ومشروع الإصلاح يتعثر بشهادة أصحابه. والتقهقر أو الهروب إلى الخلف آثاره مدّمرة علينا جميعا. إن ثروة الوطن البشرية والمادية كبيرة، وبإمكاننا جميعاَ أن نعيش في هذا الوطن سعداء متحابين، فلماذا لا نعمل على تحقيق ذلك؟
إن الاختلاف المذهبي شيء طبيعي والقناعات المذهبية لا يمكن لأحد تغييرها لهذا فجرّ المواطن للانشغال بتفاصيل ما كتب وما قيل عبر آلاف السنين على حساب تعايشه ومعيشته ومستقبله فعل غير معقول، فالشيطان يكمنُ في التفاصيل. ولو انشغلت أمّة كالهند التي تعج بمختلف المعتقدات بهذه الأمور لما تقدّمت خطوة للامام. فلماذا نحن فقط مطلوب منّا ذلك؟
إنّ المحيط من حولنا مضطربٌ وعواقب هذا الاضطراب يصعبُ التنبؤ بها. من هنا تصبح مسئوليتنا لتحصين الداخل مضاعفة، وتصبح دعوات الفرقة والتشطير والاستئثار خطر داهم على الوطن.
أيّها الإنسان... اعرف حقوقك
أولا: لا يحق لأحد - دولة، هيئة، أو فردا - أن يميّزك للون بشرتك، أو نسبة لأصلك العرقي، أو لدينك، أو لمذهبك، أو لكونك ذكرا أو أنثى، أو لأنك تسكن أرضا دون أخرى. فهناك من القوانين والتشريعات الدولية الفعالة الكثير التي تهدف إلى حمايتك من أن تقع تحت أي من هذه السياسات التمييزية التي يجرّمها القانون الدولي.
ثانيا: أشكال التمييز الذي قد تتعرض له:
- التمييز في العمل.
- المضايقة في العمل.
- التمييز عندما ترغب في استئجار أو شراء منزل أو شقة.
- التمييز في المدرسة أو الكلية.
- التمييز عند شرائك أو استعمالك البضائع والخدمات.
- التمييز من طرف السلطات العامة.
- التمييز عندما تترشح للانتخابات أو حين تقوم بالتصويت.
- التمييز في تمرير معاملاتك وتسهيلها داخل أية إدارة حكومية أو أهلية.
ثالثا: يتطرق قانون المساواة إلى ثلاثة أنواع من التمييز:
- التمييز المباشر: عندما يتم التعامل معك بطريقة أقل تفضيلا على أساس العرق أو اللون. ويشمل ذلك التعامل معك بطريقة أقل تفضيلا نسبة لأي من هذه الفوارق. مثلا إذا رفضت تنفيذ تعليمات رئيسك في العمل بالتمييز ضد شخص من جنس آخر وتم فصلك فيمكنك رفع دعوى عن التمييز العرقي.
- التمييز غير المباشر: عندما يتم تطبيق قواعد أو شروط دون سبب قوي وتقوم هذه القواعد والشروط بالتأثير بطريقة سلبية على بعض المجموعات العرقية أكثر من غيرها. مثلا يمكن أن يكون هنالك تمييز غير مباشر إذا كان للعمل شرط «اللغة الإنجليزية كلغة أم»، لأنه سيستثني أشخاصا من بعض المجموعات العرقية التي تكون الإنجليزية ليست اللغة الأم بالنسبة لهم ولكنهم يتحدثون الإنجليزية بطلاقة.
ثالثا: ما يمكنك عمله حيال التمييز:
- اللجوء إلى محكمة العمل الخاص بك أو الجهة الإدارية العليا.
- اللجوء إلى المحاكم المدنية.
- اللجوء إلى نقابتك العمالية أو الاتحادات العمالية الكبرى.
- اللجوء إلى إحدى الجمعيات أو الهيئات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
- اللجوء إلى الصحافة وعرض الوثائق التي تؤكد حالة التمييز ضدك.
- اللجوء إلى محام متخصص.
- اللجوء إلى المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لتوثيق هذا الانتهاك، ومخاطبة حكومة بلدك بشأن هذا المنع أو التمييز الذي تعرضت له.
العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ