أولئك الذين تولّوا صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أعلنوا صراحة أنهم يعتبرون مناهضة التمييز أحد الأسس التي يقوم عليها إعلانهم. فهل كان التمييز تحديدا السر الذي كان يقف خلف عذابات الإنسانية منذ بدأ الإنسان رسالته على هذه الأرض؟
أن نقول «نعم» فتلك إجابة قصيرة قبالة ارث كبير من الدم والألم.
قتل الإنسان الإنسانَ لعرقه، قتله لدينه، قتله للونه، قتله لإثنيته، قتله لطبقته، قتله لجنسه، قتله لسنه، قتله حتى لأنه ولد على أرض غير أرضه. في الألفية الثالثة، لا يبدو أنّ التمييز الذي أرق بال الإنسانية كلها، قد أصبح من أوراق ورثها الإنسان من تاريخه فيخجل منها أو يستحي، اليوم، لا تزال الرحى تطحن هذا لدينه وذاك للونه، ولا تزال سياسات التمييز تقمع هنا باسم الجنس، وتمنع هناك باسم الأعراق الطاهرة والأخرى المدنسة.
اليوم أيضا، أمام سلسلة من المعاهدات والمواثيق التي تملئ الأدراج والرفوف، وأمام المقدمات الوردية التي تعج بها دساتير البلدان، اتضح للعالم كله، أن التمييز لا ينهيه قانون ولا تمسك بجماحه لائحة. تبدو المسألة أكبر من ذلك وأعمق بكثير.
لقد حققت الإنسانية في ملف التمييز ومكافحة ومناهضة سياساته الكثير من الصور الإنسانية المشرقة، وخرج للعالم من رحم هذه الأزمات أسماء خلدتها صفحات التاريخ لما قدموه من نضالات وتضحيات. وحوت صفحات التاريخ أسماء أخرى، كانت يدها لا تمتد بالظلم والجور صوب ذلك «الآخر»، لقد سجلت صفحات التاريخ الإنسان مرتين، وفي حقيقتين متناقضتين لا تقبل إحداهما الأخرى.
لقد عانت الشرعية الدولية وهي تخطو خطواتها في مكافحة التمييز ومقارعته من أنّ الحكومات في شتى قارات العالم كانت تفعل فعلتها باسم الأخلاق والدين أو الإيديولوجية، لذا، لم يكن غريبا أنْ تكون بعض سياسيات التمييز مدرجة في قوانين الدول، مثال ذلك على الأقل مجموعة النظم والقوانين التي كانت تنال من الحريات الأساسية للمرأة أو أنظمة الرق والعبودية في الولايات المتحدة بدأ نشأتها أو في القارة السمراء. مجموع هذه المبررات كانت تحتاج للكثير من العمل الدؤوب الذي شارك فيها الأحرار الذين ضحوا بالكثير للوصول بالإنسانية الجديدة في الألفية الثالثة بالصورة التي تحقق المساواة والعدل بين بني الإنسان كافة.
لقد شرعت الأمم المتحدة في إقرار العديد من الإعلانات والمعاهدات بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتفرعت هذه التشريعات على العديد من الموضوعات، منها: حقوق المرأة وحقوق الشعوب الأصلية وحقوق العمّال، ورغم ذلك، فلا تزال الكثير من الحكومات تمارس الكثير من السياسات التمييزية ضد سكّانها، خصوصا في مجتمعات العالم الثالث.
وعلى الرغم من انحسار بعض الممارسات التمييزية كالرق وسلب حقوق المرأة في الكثير من التجارب السياسية، فإن أشكالا جديدة من التمييز قد بدأت تتشكل في المجتمعات منها: التمييز ضد مرضى الإيدز، أو كبار السن، وامتدت النظم الرافضة للتمييز لتشمل حقوق المثليين.
اليوم، يقف المجتمع الدولي في الألفية الثالثة عند خيار التنمية بشتى تفرعاتها، ولا تزال حقب التمييز لما تنتهي أثارها هنا وهناك. لا تزال أيضا، الكثير من المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية حول العالم تصدر تقاريرها الدورية التي غالبا ما تحتوي من الفضائع الكثير.
قمّة دوربان 2001: المساواة والعدالة والكرامة
بقرار من الجمعية العامة في عام 1997، ، عقد مؤتمر عالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب في مدينة دوربان بجنوب إفريقيا في الفترة من 31 آب/أغسطس إلى 7 أيلول/ سبتمبر 2001، كانت الأمم المتحدة تسعى من وراء هذا المؤتمر توسيع نطاق عملها وضغطها في القضاء على جميع أشكال العنصرية، كنت تهدف أيضا إلى إيجاد آلية متابعة قوية تنظر فيما إذا كانت الحكومات قد وفت بوعودها، ووفقا للمفوضة السامية ماري روبنسون التي وعدت بأن يكون المؤتمر «مؤتمر أفعال لا مؤتمر أقوال» فإن المؤتمر كان بالفعل فرصة حقيقية لإنشاء رؤية عالمية جديدة لمكافحة العنصرية في القرن الحادي والعشرين.
كان مؤتمر دوربان يؤكد أنّ «المجتمع الدولي خلال السنوات الخمسين الماضية منذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، حقق بالفعل بعض التقدم المهم في مجال مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب. فقد تم سن قوانين وطنية ودولية، وتم اعتماد الكثير من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيما معاهدة تحظر التمييز العنصري. كما تم إحراز تقدم - والشاهد على ذلك هزيمة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ومع ذلك، لم يتحقق الحلم المتمثل في إيجاد عالم خال من الكراهية العنصرية والتحيز إلا بنسبة 50 في المائة».
ويعتبر المؤتمر من أهم التجمعات الدولية التي تحدثت في مطلع هذا القرن، عن ضرورة اعتماد الألفية الجديدة الفية للإنتهاء من هذا الملف الذي أدت ومازالت تداعياته، تعيق الكثير من البرمجيات التنموية في أكثر من بلد. المؤتمر الذي أشرفت عليه لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كان خاتمة لقمتين، الأولى عقدت في جنيف في الفترة من 1 إلى 5 أيار/مايو 2000 والثانية في جنيف أيضا في الفترة من 21 مايو/أيار إلى 1 يونيو/ حزيران2001. واتخذت الحكومات في الاجتماع الأوّل عددا من القرارات التنظيمية، بما في ذلك إقرار جدول أعمال مؤقت للمؤتمر ومشروع لنظامه الداخلي. وعقدت الدول الأعضاء أيضا مشاورات غير رسمية في يناير/كانون الثاني، حيث أحاطوا علما بتوصيات قدمتها ست حلقات دراسية للخبراء تم تنظيمها في السنتين الماضيتين. وناقشت الدول الأعضاء أيضا مشروع إعلان وبرنامج عمل من المقرر اعتمادهما في المؤتمر.
شهدت أروقة دوربان الكثير من المناقشات التحضيرية على المستوى القاري، وبالطبع أثار المؤتمرون في حلقاتهم الكثير من الجدالات التي مثلت مواقف دولية تجاه بعض القضايا المعلقة، خصوصا فيما يتعلق بالسياسات التمييزية لإسرائيل، وكذلك بعض الدول الإفريقية. وبالإضافة لذلك، فلقد كانت إضافة محاور جديدة في ملف التمييز امرا ملحوظا، خصوصا تلك الأوراق التي قدمها الخبراء حول تزايد السياسات التمييزية في أوربا وأميركا تجاه كبار السن في الأعمال، وكذلك فيما يتعلق بضمان حريات المثليين والسحاقيات، وصولا إلى السياسات التمييزية ضد المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز».
وركزت الحلقات الدراسية للخبراء على مسائل مثل اللاجئين والدول المتعددة الإثنيات، ووسائل الانتصاف المتاحة للضحايا، وحماية الأقليات، والمهاجرين والاتجار بالأشخاص، والصراعات الإثنية، والتدابير الاقتصادية والاجتماعية المتخذة لصالح المجموعات الضعيفة. وهو ما أثار العديد من الإنتقادات للديمقراطيات الكبرى قبل الدول التي كانت في موقع الإستهداف المباشر.
وتضمنت عناصر المؤتمر المواضيع التالية:
الموضوع الأول: المصادر والأسباب والأشكال والظواهر المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب؛
الموضوع الثاني: ضحايا العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب؛
الموضوع الثالث: تدابير المنع والتثقيف والحماية الرامية إلى القضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
الموضوع الرابع: توفير وسائل انتصاف فعّالة، والموارد، ووسائل الجبر «التعويض» وغير ذلك من التدابير على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي؛
الموضوع الخامس: الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق المساواة التامة والفعّالة، بما في ذلك التعاون الدولي وتعزيز آلية الأمم المتحدة وغيرها من الآليات الدولية في مجال مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، إلى جانب عملية المتابعة.
تفعيل حزمة القوانين والمعاهدات الدولية
القمّة أكدت في جلساتها على ضرورة تفعيل حزمة القوانين والمعاهدات الدولية التي اضطلعت الأمم المتحدة بإصدارها، القمّة أكدت وأثنت على جهود الأمم المتحدة منذ إنشائها في اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة التمييز العنصري والعنف الإثني. وهو ما يجب أن ينعكس بالالتزام بالكرامة الإنسانية والمساواة. ومن ضمن هذه القرارات والإتفاقيات التي شددت القمّة على ضرورة الإلتزام بها وتفعيلها:
- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948
- الإعلان المتعلّق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1963
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965
جعل يوم 21 مارس/ آذار اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري1966
- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها 1973
- العقد الأوّل لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري1973 - 1982
- المؤتمر العالمي الأول لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري المنعقد في جنيف1978
- المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري المنعقد في جنيف1983
- العقد الثاني لمكافحة التمييز العنصري1983 - 1992
- العقد الثالث لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري1994 - 2003
- المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب 2001
دوربان 2009
ورغم أنّ المؤتمر لم يخرج ببيان ختامي متفق عليه، إلا أن الكثير من المناقشات والتقارير وجهت انتقادات مباشرة إلى كل من: الولايات المتحدة والصين وليبيريا بشأن سياسة التفرقة بين الأعراق، وقد صدر تقرير تضمن تلك الانتقادات بعد دراسة استغرقت ثلاثة أسابيع لسجل هذه البلدان في موضوع ممارسة التمييز العنصري في جوانب تتعلق بسياسات رسمية لهذه البلدان ، وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل التي تعرضت لموجة عنيفة من الإنتقادات على سياساتها التمييزية تجاه الفلسطينين.
لاتزال تبعات دوربان 2001 قائمة، واليوم مع اقتراب القمة الثانية في العام المقبل دوربان 2009 في المكان نفسه، تزداد وتيرة التجييش والتحفيز من جهة، وتزاداد أيضا المكنة الدبلوماسية للحكومات المتورطة في السياسات التمييزة من جهة أخرى.
بعض التقارير تشير إلى الولايات المتحدة عمدت إلى تفعيل دبلوماسية بعض الدول الحليفة (كندا/ دول أوربا الشرقية المنضوية حديثا تحت مظلة الناتو) ضمن مساعيها في معارضة تحديد أجندة المؤتمر، أو على الأقل الخروج منه دون أن تتلقى الحكومة الإسرائيلية أي انتقادات مباشرة كالتي عصفت بها في دوربان 2001.
مجمل هذه التقارير تؤكّد ما تذهب له الكثير من الآراء حول أنّ اشكالية التمييز لم تنته في الدول التي تدعي اكتمال تجاربها الديمقراطية، فضلا عن تلك التي مازالت تمارس وبشكل فاضح مثل هذه السياسيات، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ اهتماما دوليا بدوربان 2009 هو ما سيدفع بالمجتمع الدولي نحو المزيد من الفاعلية في مواجهة هذا الوجع القديم الذي لما تنتهي الإنسانية منه بعد.
القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بملف التمييز
- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948.
- إعلان بشأن العنصر والتحيز العنصري نوفمبر 1978.
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965.
- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها. (اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3068 (د -28) المؤرخ في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1973).
- المؤتمر العالمي الأول لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري المنعقد في جنيف 1978.
- إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري، والتحريض على الحرب (أصدره المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في دورته العشرين، يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978).
- إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد (اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36 /55 المؤرخ في 25 نوفمبر 1981).
- إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة (اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2263 (د - 22) المؤرخ في 7 نوفمبر 1967).
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1979 بمقتضى القرار 34 /180).
- المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري المنعقد في جنيف 1983.
- العقد الثاني لمكافحة التمييز العنصري 1983 - 1992.
- المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب 2001.
- العقد الثالث لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري 1994 - 2003.
اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري (21 مارس/ آذار)
يحتفل باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري يوم 21 مارس/ آذار من كل عام، وفي ذلك اليوم من سنة 1960 أطلقت الشرطة الرصاص فقتلت 69 شخصاَ كانوا مشتركين في مظاهرة سلمية في شاربفيل، جنوب إفريقيا، ضد «قوانين المرور» المفروضة من قِبَل نظام الفصل العنصري.
وفي إعلانها ذلك اليوم في سنة 1966، دعت الجمعية العامة المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (القرار 2142 (د - 21).
العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ