قد تختلف القوى السياسية والمجتمعية فيما بينها بشأن بعض الملفات الدستورية والسياسية، ولكن أي مجتمع يحترم نفسه لا يمكن أن يختلف في ضرورة مكافحة الفساد المالي والإداري الذي ينهك البلاد ويسلب ثرواتها لصالح أقلية فاسدة. قد تختلف الكتل النيابية في محاصصات النفوذ، وربما تجد مخارجَ تبرر لها هذا الاختلاف، ولكن ليس من مصلحة أيٍّ من النواب الإختلاف بشأن الفساد، فالفساد الإداري والسياسي مأساة الإنسانية، وهو الدمار لاقتصاد البلاد، وهو كالطاعون الذي لا يرحم أحدا.
وحاليا، فإن كلا من الحكومتين الأميركية والأسترالية فتحتا تحقيقات جنائية بشأن الدعوى التي رفعتها شركة ألبا ضد شركة ألكوا الأميركية والتي قالت فيها إن الشركة الأميركية زوّرت معاملات شراء مادة الألومينا وإن ذلك كلف «ألبا» ملياري دولار ذهبت إلى مسئول حكومي ومسئولين أجانب.
والتحقيقات الجنائية التي بدأتها كلّ من أميركا وأستراليا (لأن هناك شركات ترتبط بالرشوة في البلدين) تدل بوضوح على أن مثل هذا الموضوع ليس مرافعة «مدنية» عادية يمكن إخفاء أجزاء منها والتصالح مع طرف هنا وهناك، أو اعتقال أشخاص وترك آخرين لأنهم أصحاب نفوذ... فالجريمة كبيرة، و «حق عام» ولا يجوز التهاون في الحق العام لأن التهاون له عواقب كثيرة في عالمنا المُعَوْلَم اقتصاديا وسياسيا.
لحد الآن لم نسمع من «النيابة العامة» أنها تحركت بعمل يوازي التحقيقات الجارية في أميركا وأستراليا، على رغم أن الأموال التي ضاعت كانت بحرينية بالأساس (77 في المئة من «ألبا» مملوكة لشركة «ممتلكات» الحكومية)، وهناك شكوك بأن التعامل مع الموضوع بحرينيا لن يتعدى ما حصل لقضية بنك الإسكان التي اختفت من الوجود على رغم أن الذي تقدم بالشكوى قبل خمس سنوات وزيرٌ قام بتسليم الملف إلى النيابة العامة.
إن هذ السلوك السلبي الذي يتّبعه البعض تجاه قضايا الفساد لا يمكن فهمه أو تبريره... ثم كيف يصم النواب آذانهم وهم الذين شاركوا في ندوات وفعاليات «برلمانيون ضد الفساد»؟ قد تكون البحرين خالية من تشريعات وأدوات مكافحة الفساد، ولكن كيف يسمح النواب لأنفسهم بأن يظهروا كأنهم لا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا شيئا؟
إن البرلمانيين ومؤسسات المجتمع المدني معنيون بصورة مباشرة بمكافحة الفساد، ويجب أن تكون نوايانا وعزيمتنا قوية في البرلمان وفي المجتمع وفي الجهات المعنية بالنسبة إلى هذه القضايا. فنحن بحاجة إلى تحالف و شراكة واسعة النطاق لمكافحة الفساد بشتى أنواعه ومن أي مصدر كان؛ لأنه ملف لا يقبل الاختلاف فيه، تماما كما هو الولاء للوطن الذي لا يمكن لأحد المساومة عليه.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2031 - الجمعة 28 مارس 2008م الموافق 20 ربيع الاول 1429هـ