العدد 2031 - الجمعة 28 مارس 2008م الموافق 20 ربيع الاول 1429هـ

كابوس «الناتو» في الضفة الغربية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

أطلقت واشنطن بالون اختبار عن وضع قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) كقوة لحفظ السلام في الضفة الغربية. ونقلت صحيفة «الجيروساليم بوست» خبرا مفاده أن قائد حلف «الناتو» السابق الجنرال جيمز جونز - وهو حاليا المبعوث الخاص لإدارة بوش إلى الشرق الأوسط - يتولى طرح هذه الفكرة على مختلف البلدان الأوروبية.

إنها فكرة رديئة بشكل صارخ. فإذا كان لمبادرة جونز خيط فضي، فهو أن واضعي السياسة الأميركية على الأقل لا يفكرون بضم قوات أميركية ضمن تلك القوة. وعلى ما يبدو إن واشنطن تعتقد بأن جلد الذات أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأميركي. ومع ذلك، إن المرء يحتار في إذا ما كانت الولايات المتحدة ستستطيع مقاومة الدعوة التي لا مفر منها من سائر أعضاء «الناتو»، بوجوب تكافؤ التضحيات وبأن تمارس الولايات المتحدة قيادة الحلف.

وحتى إن استطاعت الولايات المتحدة تجنب الانغماس مباشرة في مغامرة مهمة حفظ السلام، فإن الاقتراح ينطوي على مشكلات خطيرة. فهو سيضع قوات «الناتو» في وسط ربما هو أكثر المناطق اضطرابا في شرق أوسط مفعم بالاضطرابات. أشار جونز، كما تقول الأنباء، إلى أن وضع قوات «الناتو» سيكون مؤقتا، بحيث يعطي للقوات الإسرائيلية فرصة الانسحاب من الضفة الغربية، كمرحلة من مراحل اتفاق سلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين. بيد أن «إسرائيل» والولايات المتحدة قد تعلمتا من خلال تجارب مريرة بأن الإجراءات العسكرية «المؤقتة» في الشرق الأوسط تصبح عادة التزامات بعيدة المدى.

الأسوأ من ذلك، إن القوات الأجنبية في الضفة الغربية ستشكل أهدافا مثالية بالمعنى الحرفي والرمزي معا بالنسبة للراديكاليين الإسلاميين. الراديكاليون سيصورون وضع تلك القوات من دون شك على أنه احتلال إمبريالي غربي آخر للأراضي الإسلامية، وسيستخدمون تلك المقولة لتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف المنظمات الإرهابية. وأسوأ من ذلك، إن أفراد قوات حفظ السلام سيصبحون أهدافا لبنادق الراديكاليين وقنابلهم.

حتى لو سعوا لأن يكونوا محايدين كقوة حفظ سلام، فإنهم كأمر حتمي سيجدون أنفسهم وسط المنافسات والصراعات في الأراضي الفلسطينية. ماذا سيفعلون، على سبيل المثال، إذا تجدد العنف بين أتباع «حماس» ومؤيدي «فتح» أو إذا شن مقاتلو «حماس» هجمات جديدة ضد المستوطنات الإسرائيلية؟ لا يوجد شيء يمكن أن يكون تدخلا عسكريا محايدا. إن مجرد وجود قوة حفظ سلام يعمل لصالح بعض الفرقاء على حساب فرقاء آخرين. والفرقاء الذين يتم التدخل لغير صالحهم يصبح لديهم حافز قوي لمهاجمة قوة حفظ السلام. يبدو أن واشنطن تعتقد بالفعل بأن جلد الذات هو أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأميركي!

لقد اكتشفت الولايات المتحدة هذه الحقيقة بكل مرارتها في لبنان إبان عقد الثمانينيات. تدخلت القوات الأميركية بداية كجزء من اتفاق يمكّن القوات الإسرائيلية من إنهاء حصارها لبيروت الغربية. لم يكن لدى الولايات المتحدة أية نية للانحياز لهذا الجانب أو ذاك في الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت قائمة. بيد أن القوات الأميركية أصبحت في فترة وجيزة متحالفة مع حكومة البلاد المسيحية وضد الفئات الإسلامية. وسرعان ما بدأت بارجة أميركية قصف القرى المسلمة المعادية، واشتبكت القوات الأميركية في مناوشات مع الميليشيات الإسلامية. أدى ذلك العمل إلى الانتقام ووصل ذروته في الهجوم الذي شنته شاحنة مفخخة على البراكيّات السكنية للبحرية الأميركية في بيروت، والذي قتل فيه 241 من رجال البحرية.

«الناتو» يغامر بمأساة مماثلة، إذا كانت من الحماقة بحيث يقحم نفسه في الأراضي الفلسطينية. إن اقتراح وضع مثل هذه القوات ليس بالجديد. فمنذ أكثر من ست سنوات قدم المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان فكرة مماثلة، بيد أن واضعي السياسة الأميركية - لحسن الحظ - أسقطوا ذلك الاقتراح. يجب على إدارة بوش دفنه مرة أخرى آملين أن يتم ذلك بشكل نهائي.

*نائب رئيس معهد كيتو لشئون دراسات الدفاع والسياسة الخارجية.

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»:www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2031 - الجمعة 28 مارس 2008م الموافق 20 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً