سعدت جدا بقراءة عمود رئيس التحرير في عدد «الوسط» (24 مارس/ آذار الجاري) تحت عنوان «المسئولية الاجتماعية ودور غرفة التجارة»، لأنه طرح موضوعا يدور في ذاكرتي مدة ليست بقصيرة من الزمن، لأني أحد العاملين في المجال التطوعي، وكوني أحد الداعين إلى إبراز هذا المفهوم (Social Responsibility)، ونشر هذه الثقافة على الأقل في محيط الصناديق والجمعيات الخيرية وبعض المؤسسات التجارية القليلة المساعدة لهذه المؤسسات الخيرية.
في دراسة قام بها صندوق جرداب الخيري عن واقع الصناديق الخيرية في البحرين قبل 3 أشهر فقط، غطت 43 صندوقا من أصل 80 صندوقا مسجلا في وزارة التنمية الاجتماعية، ونشرتها «الوسط» مشكورة في صفحة كاملة، كانت هناك التفاتة إلى هذا المفهوم وتأثيره على دور هذه الصناديق، فقد أجاب 56 في المئة من الصناديق بأن عدد المؤسسات ورجال الأعمال الداعمة لها ببعض المساعدات لا يزيد على 20 مؤسسة أو رجل أعمال. أما بالنسبة إلى حجم هذه المساعدات فقد ذكر 65 في المئة من الصناديق أن دخلها من هذه المساعدات هو أقل من 10 آلاف دينار فقط، و90 في المئة من الصناديق ذكرت أن دخلها من هذه المساعدات أقل من 20 ألف دينار.
وإذا كان الدخل الإجمالي لـ 51 في المئة من الصناديق يقل عن 20 ألف دينار سنويا، التي بحسب هذه الدراسة تغطي 9000 أسرة بحرينية شهريا، وإذا كان أهم مصدر دعم لهذه الصناديق هو من هذه المساعدات (65 في المئة من الصناديق تعتمد على هذه المساعدات وتمثل أكثر من 21 في المئة من دخلها)، فكيف يكون باستطاعتها التوفيق بين دخلها البسيط من هذه المساعدات الضئيلة وبين مصروفاتها الشهرية المتزايدة لهذه الأسر؟
أنت تعلم أن دور الصناديق تغيّر كثيرا عن ذي قبل، فلم يعد هذا الدور مقتصرا على المساعدات للمحتاجين، بل يغطى الآن الكثير من مجالات التنمية الكثيرة، ومنها التعليم، إذ إن 70 في المئة من الصناديق تدعم التعليم بنسبة تصل إلى 20 في المئة من دخلها السنوي.
لقد كنت أحد المنظمين مع صندوق سار الخيري لمؤتمر التنمية الاجتماعية بين 24 و25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي حضره الكثير من هذه المؤسسات الخيرية والمختصين، وتحدثت الأستاذة بجامعة البحرين ابتهاج العالي عن دور القيادات التنفيذية للشركات والمؤسسات والمصارف في البحرين في فهمها وتطبيقها للمسئولية المجتمعية في المجال الخيري، وذلك لأهمية هذه الثقافة في تكوين التواصل بين هذه المؤسسات والبيئة المحيطة بها، وكذلك المساعدة إجمالا في تطوير وتشجيع العمل التطوعي والبيئة المجتمعية الخيرية.
هناك طبعا حالات قليلة مضيئة من التعاون في المجال الخيري من قبل بعض المؤسسات الخاصة، ولكن معظم مساهماتها تغطي قطاعات تكون فيها الحكومة هي المسئولة المباشرة عن دعمها مثل المجالات الصحية... الخ، ولكن حجم دعمها للمؤسسات الخيرية مثل الصناديق والجمعيات الخيرية غير مقبول بتاتا (بعض المؤونة الغذائية البسيطة في شهر رمضان المبارك وكفى).
لقد كانت هناك بعض الأفكار في مجال مساعدة هذه الجمعيات والصناديق الخيرية، منها مثلا تخصيص نسبة معينة من ريع «الطابع البريدي» وكذلك «اقتراح برغبة» من البرلمان بتخصيص مساعدة مادية شهرية مباشرة من وزارة التنمية، وفكرة تخصيص 1 في المئة من أرباح الشركات والمؤسسات الكبيرة للعمل الخيري، على الأقل كما ذكر رئيس التحرير في مقاله، في مجالات الأعمال الناجحة مثل المصارف والاتصالات.
هناك من يضيف أنه لو تم تخصيص جزء من علاوة الغلاء لهذه الصناديق والجمعيات الخيرية لتمكنت من الاستثمار في بعض المجالات (الدراسة تقول إن 60 في المئة من الصناديق ليس لديها أي نوع من الاستثمار)، لتساعد على التقليل من هذه الآفة بين مستحقيها وعددهم بالآلاف، كما أنها ستساعد على التنمية المستدامة مستقبلا... هذه الأفكار لم ترَ النور بعد.
تجربتنا تقول إنه بينما القيادات التنفيذية الشابة في هذه المؤسسات الكبيرة تفهم معنى ثقافة المسئولية المجتمعية وأهميتها، ولكن أولا لعدم وجود التحفيز اللازم من الجهات الحكومية المسئولة مثل وزارة التنمية أو التجارة والصناعة وبنك البحرين المركزي أو المؤسسات الأخرى كغرفة التجارة، وثانيا لعدم توافر القوانين، فإن هذا المفهوم المهم لن يطبق، أو على الأقل ستكون الاستجابة إليه من هذه المؤسسات في حدودها الدنيا أو من أجل الـ «Propaganda» فقط.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 2030 - الخميس 27 مارس 2008م الموافق 19 ربيع الاول 1429هـ