وحصل ما كان متوقعا... في بلد المليون شهيد. عدوى تغيير الدستور من أجل إعادة انتخاب الرئيس انتقلت إلى هناك، وليت الداء بقي لدينا فقط في المشرق العربي!
ولكي نكون دقيقين، فإن التغيير لن يطول الدستور كله والحمد لله كما يحدث في المشرق، وإنما تغيير مادة واحدة فقط مؤقتا، من أجل تحقيق الهدف المطلوب! فوكالة (يو بي آي) نقلت أمس (الأربعاء) أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قرّر إرجاء عملية تعديل الدستور لأسباب تتعلق بقرب انتهاء ولايته الثانية (في ربيع 2009) والاكتفاء بتعديل المادة (74) فقط، بما يتيح له الترشح لفترة ثالثة لا يقرها الدستور الحالي المعدّل أصلا قبل 12 عاما!
المصادر كشفت أن بوتفليقة سيكتفي بعد شهرين بتعديل المادة المذكورة التي تحدّد فترات تولي الرئاسة لولايتين فقط، مدة كل منهما 5 سنوات، على أن يتم إرجاء التعديل الموسّع للدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، فالوقت ضيق جدا، والانتخابات الرئاسية على الأبواب. كما ان التعديل الموسع للدستور ينتظر أن يناقش تحديد صلاحيات السلطات بوضوح، وهو أمرٌ يتطلب وقتا كافيا ونقاشا موسعا بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية.
حتى الآن، من غير الواضح كيف سيتم تعديل المادة 74، هل سيكون ذلك عن طريق طرحها في البرلمان أم بطرحها في استفتاء شعبي عام. وفي الحالين ستكون النتيجة واحدة، تنفيذ رغبة الرئيس، كما جرى في مختلف الدول والجمهوريات والجماهيريات العربية الخالدة!
بوتفليقة سبق أن انتقد في مناسبات سابقة الدستور الحالي، وهو ما أثار بعض علامات الاستغراب والتساؤلات. وفي خطاب ألقاه أمام قادة الجيش الجزائري قال إن تعديل الدستور «يهدف إلى تعزيز أكثر فأكثر الحقوق والحريات الأساسية، والرقابة الدستورية ويحدّد قواعد نظام سياسي واضح المعالم يضبط أكثر فأكثر الصلاحيات والمسئوليات ويراعي احترام مبدأ الفصل بين السلطات، ويضع حدا للتداخل بين صلاحيات المؤسسات». وهي معزوفةٌ تتكرّر حرفيا في جميع الدول العربية التي غيّرت دساتيرها أو بدّلت بعض موادها من أجل بقاء الرئيس في منصبه أطول فترة ممكنة! بينما لم يثبت قط في أي من هذه الدول «حدوث تحديدٍ للصلاحيات والمسئوليات، ولا احترام مبدأ الفصل بين السلطات، ولا وضع حدٍ للتداخل بين المؤسسات»!
المراقبون يجزمون بأن بوتفليقة سيحصل يقينا على دعم الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) والتجمع الوطني الديمقراطي، القوة السياسية الثانية في البرلمان، إلاّ أن الحليف الثالث في الائتلاف الحاكم «حركة مجتمع السلم» (إخوان) لم تعلن موقفها بعد، لكن لا يتوقع أن تتخذ موقفا آخر يعبّر عن حرصها على الحفاظ على الدستور وفقا للرغبات الشخصية.
الجزائر استقلت عن المستعمر الفرنسي في العام 1962، ووضعت في العام التالي أول دستور لها في عهد أحمد بن بللا، وفي العام 1976 وضع هواري بومدين دستورا جديدا اشتراكي النزعة، ألغاها خلفه الشاذلي بن جديد في العام 1989، ثم أدخل الأمين زروال بعض التغييرات عليه العام 1996، فهل تغيّر بلد المليون شهيد دستورها هذه المرة فقط من أجل بقاء الرئيس سنوات أخرى كما فعلت بعض الجمهوريات العربية التي مازالت تعيش عصر الإقطاع؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ