العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ

الخاسرون والرابحون من قمّة دمشق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قرار الحكومة اللبنانية بعدم المشاركة في قمّة دمشق العربية خطوة ناقصة في الاتجاه غير الصحيح. فالخطوة لم تكن موفقة وكان بالإمكان تجنبها باختيار رئيس وفد على مستوى وزير (ماروني) يمثل لبنان في لقاءات وحوارات جانبية ومقفلة تشرح وجهة نظر الحكومة وتوضح الملابسات التي تكبح تطوّر العلاقات الثنائية بين البلدين.

القرار لم يكن على مستوى رؤية دولة تقرأ مصالح بلاد الأرز العليا من زاوية أرفع من الوقوع في مأزق خطاب سياسي تتجاذبه عصبيات ضيّقة لا تستطيع الخروج من آفاق حروب الشوارع الطائفية والمذهبية والمناطقية. فالحضور اللبناني في القمّة العربية يتمثل في حضور دولة تتجاوز خطاب فريق سياسي بغض النظر عن المبررات والذرائع التي اعتمدتها الحكومة لاتخاذ مثل هذه الخطوة الناقصة.

لبنان الدولة خسر من عدم الحضور حتى لو نجح لبنان الفريق في توجيه رسالة لدمشق من فوق الطاولة. عدم المشاركة أسوأ من المشاركة مهما تكن الأخيرة مسألة محرجة. والحضور اللبناني مهما يكن ضعيفا يعتبر أفضل من الغياب؛ لأنّ الخروج من المشهد سيعطي دمشق ذريعة للمناورة أو التهرّب من المسئوليات والالتزامات التي جرى تنصيصها في المبادرة العربية.

لبنان الدولة بحاجة إلى غطاء عربي قوي لحماية حدوده وأمنه ومصالحه من التبعثر في تنافسات محلية. كذلك يحتاج لبنان الدولة إلى منبر عربي لتقديم الشكوى وشرح المظالم التي يتعرّض لها بسبب غياب استراتيجية عربية دفاعية مشتركة. ولبنان في هذا الصدد خسر مناسبة لتوضيح رؤيته بشأن إعادة هيكلة الاستراتيجية العربية والإقلاع عن سياسة استخدام ساحته منطلقا للصواريخ أو توجيه رسائل إقليمية وجواريه ودولية.

قرار الحكومة اللبنانية ليس صحيحا حتى لو تعزز بالذرائع والمبررات لتغطية الموقف المنفعل الذي جاء ردا على أسلوب التعامل غير السوي مع دولة تدفع كلفة الهدنة الإسرائيلية - السورية منذ العام 1974.

لبنان خسر من عدم الحضور كذلك سورية حتى لو تعاطت مع الموضوع باستخفاف وسخرية. فالقمّة العربية التي ستتفتح قريبا في دمشق جاءت ناقصة وبدأت مترنحة وغير قادرة على تحقيق التوازن القومي المطلوب في مثل هذه المناسبات الاستثنائية. فالحضور العربي الضعيف والمشاركة التي حصلت على مستويات متدنية والمقاطعة التي قررتها الحكومة اللبنانية كلّها إشارات تضعف القمّة وتقلل من صدقيتها. والكلام السوري الذي صدر من أكثر من جهة على أنّ المقاطعين يخسرون ودمشق لا تهتم أو هي غير مكترثة بمَنْ يحضر أو لا يحضر مجرد كلام للاستهلاك المحلي ولا قيمة له في عالمي السياسة والدبلوماسية.

قمّة دمشق بدأت ضعيفة بوجود غياب عربي أو حضور على مستويات أقل من الرؤساء أو الملوك. وهذا الضعف يقلل من صدقية القمّة وينزع عنها إمكانات الانطلاق بتوازن معقول يعطيها ذاك الثقل المطلوب لتوجيه الرسائل القومية والدفاع عنها في المحافل الدولية.

القيادة السورية تبدو في المظهر الخارجي غير مهتمة بالحضور العربي أو ضعف المشاركة. وهذا التظاهر يكشف عن خلل في القراءة السياسية يبدأ من نقطة وهي: أنّ العرب بحاجة إلى سورية وليست سورية بحاجة إلى العرب.

هذه النقطة قيلت مرارا وأعيد إنتاجها لغويا في مجموعة من القواعد النظرية اعتمادا على منطق أنّ سورية «منتصرة» وهي في موقع «القوي» بينما الدول العربية خسرت في رهاناتها وهي في موقع «الضعيف». وعلى أساس هذا المنطق الذي يحتاج إلى دعائم لتعزيز صحته رأت القوى السياسية السورية أو المتحالفة معها أنّ مَنْ يُقاطع يخسر ومَنْ يشارك يربح.

مقاربة خاطئة

حسابات الربح والخسارة تبدو غير واضحة في المعادلة المنطقية السورية وهي تشبه أو تحاكي تلك النظرية التي اعتمدت مبدأ أنّ واشنطن بحاجة إلى دمشق وليست دمشق بحاجة إلى واشنطن. ومثل هذه المقاربة بين منطقين تطرح فعلا تلك الأسئلة التي تتصل بأجوبة تحيط بالإطار العام الذي يحرك السياسة الإقليمية في منطقة «الشرق الأوسط». فهل سورية تسيطر على مفاصل القرار الدولي في المنطقة حتى تضع نفسها في موقع الموازي للدور الأميركي؟ إذا كانت الإجابة «نعم» تكون فعلا دمشق في موضع الغريم المنافس للسياسة الأميركية في المنطقة. وإذا كانت الإجابة «لا» تكون تقديرات دمشق مبالغا فيها وليست في محلها حتى لو أرادت القوى المؤيّدة لها تقديم تصورات مضادة.

لاشك في أنّ لبنان الدولة خسر في عدم حضوره قمّة دمشق لأسباب كثيرة تتعلق بالجغرافيا السياسية والممرات والمعابر اللوجستية وامتداداتها الداخلية المتصلة بالتوازن الأهلي وضغط الشارع على المؤسسات. فالخسارة اللبنانية واقعة أصلا وازدادت الآنَ بعد الغياب. وهذه النقطة مفهومة منطقيا. أمّا النقاط غير المفهومة ويجب شرحها منطقيا تتصل بالإجابة عن أسئلة كيف أنّ السعودية خسرت مثلا من عدم المشاركة على مستوى خادم الحرمين؟ وكيف مثلا أنّ مصر خسرت؛ لأنها لم تحضر على مستوى مشاركة الرئيس بجلسات القمّة؟ هناك الكثير من الأسئلة يمكن طرحها للاستطلاع والتعرف على معنى قانون الخسارة والربح الذي تعتمده دمشق في حساباتها.

لبنان الدولة خسر مسألة مفهومة لوجستيا. وسورية الدولة خسرت أيضا مسألة يمكن فهمها منطقيا. أمّا المنطق الذي يعاني من اعوجاج في التحليل السياسي هو كيف تكون مصر والسعودية وغيرهما خسروا من عدم الحضور على مستوى التمثيل الرفيع المستوى.

القراءة السورية الرسمية للقمّة وعوارضها وتداعياتها تشبه كثيرا القراءة اللبنانية الرسمية التي وجدت في «المقاطعة» خطوة صحيحة في إطار الرد على سياسة تعاملت باستهتار مع مؤسسات سيادية. وهذه القراءة المقلوبة تعتمد على حسابات خاطئة معطوفة على تصورات تحتاج إلى عمق وتدقيق لرؤية الصور خارج الأفق القريب. كذلك تبدو القراءة الرسمية السورية للقمة متقاطعة من بعيد مع منطق المقاطعة العربية. فالرؤية السورية تشبه اللبنانية في التعامل النظري مع منطق المقاطعة. فالحكومة في بيروت قرأت الغياب نقطة تسجل لمصلحتها كذلك دمشق قرأت الغياب العربي نقطة لمصلحتها في اعتبار أنّ النظرية السورية تعتمد منطق المكابرة من خلال تسويق معادلة من يحضرْ يربحْ ومن يقاطعْ يخسرْ.

مقاطعتان تتحكمان الآنَ بالقمّة العربية في دمشق عشية انعقادها. الأولى لبنانية والثانية عربية. ولاشك أنّ المقاطعة الأولى تعتبر خسارة للبنان بينما المقاطعة الثانية تعتبر خسارة لسورية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً