في لقاء وزير العدل والشئون الإسلامية بالصحافيين، طرح عدة قضايا كانت مثار خلاف، أهمها قراره بشأن بناء المساجد، وأجاب على أسئلة طرحوها ولكن طلب عدم نشرها، وإنما اعتبرها نوعا من المصارحة وتوضيح الأمور.
من يستمع للوزير لا يمكنه أن يشكّك في نواياه، ففي حديثه الكثير من العبارات التي يجتمع حولها البحرينيون، ويمكن أن توفّر أرضية لحلّ الخلافات بالتوافق والتراضي والحوار.
الصحافة التي أوصل الوزير عبرها رسالته، هي ابنة مجتمعها، وليست كائنا مستوردا من الخارج. وإذا كان من واجب الصحافيين إيصال ما يريده المسئول للناس، فمن حقهم أن يوصلوا بالمقابل وجهات نظر المجتمع وتظلماته للمسئولين، فضلا عن التعبير عن آرائهم الخاصة، دون أن يُقمعوا وتُسكت أصواتهم بتهمة الطائفية أو الإثارة والتحريض. فالصحافيون بشرٌ لهم مواقف وآراء، وليسوا مطبّلين أو إمّعات.
الوزير يرى أن هناك تنافسا على بناء دور العبادة، وهناك من يجلب أموالا، ولكن ماذا بعد البناء؟ هناك خدماتٌ كالماء والكهرباء والصيانة والمؤذنين... وهكذا توضع الوزارة أمام أعباء كبرى، في ظلّ غياب أي نوع من التخطيط يراعي حاجة الناس الفعلية لهذه المرافق الدينية. فالكثير من المساجد تكون خالية من المصلين، ولا يفصل الكثير منها إلا مسافات قصيرة جدا.
هذا ما يظهر على السطح، إلا أن في الإطار الأكبر، هناك إشكالات لا يحلّها استعراض أرقام «مساجدكم» و»مساجدنا»، وبصراحة: هناك أزمة ثقة عميقة، على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وما يزيدها عمقا عدم وجود توافق وطني على كثير من القضايا الكبرى. ما يطرحه الوزير كمبدأ مجرّد يتفق عليه الكثيرون، ولكن من الصعب أن تقنع مواطنين يطالبون ببناء مسجدٍ في إحدى المناطق المختلطة كالبحير، فترفض الوزارة طلبهم لمدة عشرين عاما. الناس تتحدّث عن وجود قرارٍ شبه رسمي بالمنع، والوزير تحدّث عن وجود عريضةٍ وقّع عليها المئات تعارض بناء المسجد، بل إن ثلاثة نواب (إسلاميين) وقفوا ضد البناء. فنحن أمام واقعٍ منقسمٍ على نفسه طائفيا، وعلينا أن لا ندس رؤوسنا في الرمال.
كأفكار ومبادئ، نتمنّى أن لا تكون هناك مساجد للسنة وأخرى للشيعة، فالله يقول: «وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا»، ولكن هل الواقع كما نحلم ونريد؟ فالبحرين التي نتغنّى بطيبتها وتسامحها وسمعة أهلها، قد تغيّرت... وتغيّرت إلى الأسوأ أحيانا، وأهم ما ابتلينا به هو ضيق الصدور.
من أرّخوا لـ «المأتم»، كإحدى المؤسسات التقليدية في البلد، أسهبوا في ذكر مشاركة مختلف الطوائف والأعراق والعوائل في إحياء مواسمها الدينية، عمليا وماديا وحضورا، وخصوصا في المنامة والمحرق. لكن ذلك يوشك أن يصبح جزءا من التاريخ وأمجاد الماضي، بعد أن ابتلينا بضيق الصدور بالآخر.
إن أكبر رزيةٍ يمكن أن تحلّ ببلد، أن يشعر المواطنُ بأنه غريبٌ في بلده، فلا يأمن دخول منطقة ذات صبغةٍ مختلفة، ويشعر بأنه غير مرغوب بأن يطأ أرضها، أو يملك منزلا فيها، أو يصلّي في أحد مساجدها، ولا يمرّ بها إلاّ خطفا بسيارته. إنها الغربة الكبرى في الوطن. ليست قضية «مآتمكم» و»مساجدنا»، فمصيبتنا في وطننا ومستقبل أبنائنا أكبر من ذلك، فالبلد صغير جدا، لا يقبل القسمة والتشطير والجدران الفاصلة. إنه بلدٌ لا يتحملّ سياسة العزل والإقصاء وإقامة الكانتونات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2292 - الأحد 14 ديسمبر 2008م الموافق 15 ذي الحجة 1429هـ