العدد 2292 - الأحد 14 ديسمبر 2008م الموافق 15 ذي الحجة 1429هـ

التمعُّن الذكي شرقا بدل الحملقة البلهاء غربا

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كان قادة دول أكبر ثلاثة اقتصادات في آسيا، هي: اليابان والصين وكوريا الجنوبية، التي تمثل 75 في المئة من اقتصادات المنطقة وثلثي حجم تجارتها، يلتقون بمدينة فوكوكا اليابانية، ويتعهدون بالتعاون بشكل أوثق فيما بينهم من أجل تقليص حجم الضرر الناجم عن الأزمة الاقتصادية العالمية على بلدانهم، كي يضعوا - بحسب قول ئيس الوزراء الصيني وين جيباو- «حجر زاوية للتعاون بين البلدان الثلاثة في مواجهة الأزمة المالية الراهنة التي تضرب الاقتصاد العالمي»، كانت المؤسسات المالية الأميركية تتابع بقلق إجراءات إلقاء القبض على برنارد مادوف الذي شغل من قبل منصب رئيس سوق ناسداك للأسهم، وأسس في العام 1960 شركة برنارد إل مادوف إنفستمنت سكيوريتيز، الذي يواجه اليوم تهمة الاحتيال بإدارة خطة استثمار وهمية بلغ حجم الخسائر فيها 50 مليار دولار, والتي تعتبر واحدة من أكبر قضايا الاحتيال على الاطلاق التي واجهتها سوق المال الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أن القمة كان من المفترض عقدها في سبتمبر/ أيلول 2008؛ لكنها تأجلت رسميا وذلك على خلفية استقالة رئيس الوزراء اليابني ياسو فوكودا المفاجئة حينها؛ الأمر الذي يعني أن الدول الآسيوية كانت تسعى إلى إعادة ترتيب بيوتها من الداخل قبل أن تستفحل الأزمة، وتدخل الربع الأخير من العام 2008.

أما بالنسبة إلى جريمة الإحتيال الأميركية، ووفقا لما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن مطلعين على مسألة الاحتيال، فإن «البنك الفرنسي الضخم بي إن بي باريبا وشركة «نومورا هولدنغز» القابضة في طوكيو وبنك «نيو برايفت» في زيوريخ كلها معرضة لخسائر جراء الاحتيال. إضافة إلى ما لا يقل عن ثلاثة صناديق تحوط مهمة قد تكون خسرت أموالا كثيرة في هذه العملية».

وهناك مصادر أخرى تؤكد أيضا بأن جريمة مادوف لم تعد محصورة في مؤسسات مالية أميركية، فقد نقلت «رويترز»، ما نشرته صحيفة «لوتان السويسرية» من أن «بنوكا وصناديق استثمار مقرها في جنيف خسرت أكثر من 4,22 مليارات دولار في عمليات احتيال منسوبة إلى الرئيس السابق لبورصة ناسداك».

وأمام هذه الأزمة «الغربية» الطاحنة، يحاول الشرق ألا يقف مكتوف الأيدي متفرجا، بل يمد يديه ويفتح صدره لتلافي ذيول هذه الأزمة التي يدرك أنه لن يكون في مأمن من لسعات نيرانها. وهكذا وجدنا بكين، التي تحتل اليوم صدارة قائمة الدائنين للولايات المتحدة، تسارع في الإجتماع الوزاري الإقتصادي الصيني - الأميركي الخامس الذي عقد في مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008 تعلن على لسان نائب رئيس الوزراء الصيني وانغ كيشان بأن «التعامل المشترك مع الأزمة العالمية هو الواجب الأكثر إلحاحا الذي نواجهه في الوقت الراهن... وأن الأولوية القصوى في الوقت الراهن هي لإعادة الثقة إلى السوق في أقرب وقت ممكن، بالإضافة إلى منع الأزمة المالية من التوسع والانتشار، وذلك من أجل أن نتحاشى الدخول في فترة ركود اقتصادي عالمي شامل».

كثيرة هي الإستنتاجات التي يمكن الخروج بها من قراءة سريعة لهاتين الظاهرتين: الفضيحة الأميركية والقمة الآسيوية؛ لكن الأهم من بينها جميعا هو، أنه بينما يغرق أكبر اقتصاد عالمي (الأميركي) في أوحال أزمة لم يعد في وسعه انتشال نفسه منها، ما تزال اقتصادات دول آسيوية صاعدة مثل الصين وكوريا، قادرة على التعامل من أجل الصمود في وجه تلك الأزمة، ومن ثم الخروج بأقل الخسائر الممكنة من ذيولها.

فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، لم يكن اقتصادها، عندما كان في عنفوان شبابه وقوة اندفاعه صعودا، يخلو من عمليات احتيال مشابهة؛ لكن عناصر النجاح التي كان يتمتع بها، ومنذ انتهاء الحرب الكونية الثانية كان بوسعها تزويده بوسادة سميكة تمده بالقدرة على امتصاص مثل تلك العمليات؛ لكن تفشي أمراض الإنكماش والركود والتضخم، وتفاعلها، في حال تكاد أن تكون فريدة من نوعها، أجبرته اليوم على كشف ما كان قادرا على إخفائه بالأمس؛ أو الإفصاح عنه في صورة إخفاقات مأسوية، بدلا من الفضائح فحسب.

مقابل ذلك، فالإقتصادات الشابة الصاعدة من أمثال كوريا والصين، ما تزال تملك مساحة من النمو الإقتصادي الذي يمدها بالقدرة على التخطيط في أجواء أكثر هدوءا تساعدها على الوصول إلى قرارات صائبة تحد من سلبيات الأزمة وتقلص من تأثيراتها القاتلة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2292 - الأحد 14 ديسمبر 2008م الموافق 15 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً