كان حديث وزير الثقافة المغربي محمد بن عيسى عن تجربتهم في مدينة أصيلة مبهرا، وذلك بتفعيل الثقافة لخلق تجربة تنموية متكاملة، شملت المدينة كلها ونهضت بها وبسكانها، وجعلت من تلك المدينة المهملة واحة ثقافية غناء.
كان من الأجدى أن تكون تلك الأمسية بداية فعاليات الربيع، إذ إن المراحل التي مرت بها أصيلة، والرؤية المتجانسة مع الاستراتيجية الذكية التي وصلت إلى بسطاء الناس والأطفال، وغيرت نمط التفكير الكلي كليا، كانت خير تجربة يمكن الاقتداء بها في مسيرة التثقيف والتنوير وتحديث مستوى الفكر لدى المجتمع البحريني، الذي لا تزال الثقافة (بمفهومها الحديث) حصرا على نخبة من المجتمع، مع الكثير من المصفقين والمطبلين الزرق.
التجربة باختصار بدأت من الأطفال، بإشراكهم في تفاصيل العملية الثقافية كافة، التي بدأت بالرسم والتلوين على الجدران، وأشركتهم في عمليات حفظ هذه الأعمال الفنية، والمحافظة على نظافة الشوارع، كانت تسير في الوقت ذاته مع أعمال استقطاب المثقفين والمفكرين لتقديم طرحهم الفكري على الوفود التي شاركت من كل المغرب ومن أصيلة، وهو ما أصل حب الثقافة والوعي الفكري لدى مجتمع المدينة الصغيرة، حتى علق أحد الحضور في تلك الأمسية عن كون أصحاب المطاعم باتوا فنانين مبدعين.
أصيلة، تلك التجربة المتناغمة مع حاجات الإنسان من الكسب المادي الذي حققه الإقبال على زيارة المدينة والاستفادة من خدماتها، وحاجة المعرفة والإطلاع على الأفكار، والحاجة إلى إتاحة الفرصة للإنسان البسيط كي يكتشف كينونته ويخرج إبداعه للعلن، كانت تؤتي ثمارها يوما بعد يوم في صالح ذلك المجتمع البسيط.
الدور اليوم يقع على عاتقنا حينما نجد أنفسنا أمام هذه التجربة البسيطة التي ارتقت بمدينة كاملة، وجعلتها نموذجا للتنمية الثقافية والإنسانية، أن نقتدي بها، وأن نسعى من حيث انتهوا، لكي نكون بالفعل قد حققنا ما نهدف له من ربيعنا الثقافي.
العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ