في وسط العاصمة التايلندية بانكوك، يوجد معبد قديم، يعيش فيه كثير من العبّاد والزهّاد والمتنسكين، وفي حجرةٍ رئيسيةٍ ينتصب تمثال «اللورد بوذا»، على ارتفاع عدة أقدام.
بوذا كان رجلا حكيما وزاهدا كبيرا، ترك أثرا ضخما على قارة آسيا، لكن تمثاله الذهبي يصوّره رجلا بدينا متربعا على مصطبة، وتتدلى من أذنيه أقراط نسائية... وما أبعد بوذا الحقيقي عن التمثال. وهذا هو الفرق نفسه بين من يدعون جموع الشعب المحترقة بلهيب الغلاء إلى الاقتصاد وهم يتجشأون من فوق المصطبة!
إن هؤلاء... بحاجةٍ إلى أن ينزلوا من بروجهم المرمرية، ليعرفوا ما يحدث للأسرة البحرينية من تآكل متسارع لقدرتها الشرائية بفعل الغلاء. الحكومة تتكلم عن نسبة تضخم في حدود 7 في المئة، بينما قيمة «سلة غذاء» الأسرة البحرينية ارتفعت بنسبة لا تقل عن أربعين في المئة، من الرز إلى السكر والحليب والأجبان وغيرها من الضروريات. (وهي بالمناسبة قريبة من نسبة الانخفاض في قيمة صرف الدولار).
انزلوا من أبراجكم لتعرفوا كيف يعيش المواطن قبل أن تمارسوا عليه وصايتكم وتغرقوه بوصاياكم، فهناك اتجاهٌ اضطراري برز أخيرا لدى الأسرة البحرينية لشراء السلع الأرخص ضغطا للمصروفات الشهرية، ومن اللؤم أن يأتي من يتفلسف على هذه الأسرة ويطالبها بإعادة النظر في مصروفاتها!
إن من قلة اللياقة اليوم أن تدعو «لجنة الغلاء» بمجلس الشورى إلى زيادة وعي المرأة البحرينية الصبورة، التي تمثّل اليوم ثلث القوى العاملة في البلاد، بعد أن اقتحمت أغلب ميادين العمل، فأخذت تسوق الباص، وتعمل في ورش الخياطة، في ظروف عملٍ صعبة، ولساعاتٍ طويلة حتى المساء، مقابل أقل من مئة دينار. هذه المرأة الشريفة تستحق أن نكرّمها ونقبّل يديها، لا أن يتفلسف عليها بعض من يعيشون عقدة الاستعلاء على البشر، ويصدروا لهم توجيهاتهم الفارغة من وراء أنوفهم كالطواويس.
الأسرة المتوسطة اليوم أصبحت عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الفاكهة والخضار، التي ارتفعت أسعارها بنسبة 50 في المئة، وهو أمرٌ مسكوتٌ عنه على رغم ما سيتركه من تداعيات سلبية على الصحة العامة للمجتمع. ثم يأتي بعض من يعانون من «الشبع» ليدعو إلى ضرورة تمتع الأسرة «بثقافة صحية واجتماعية وقانونية وشرعية»! وما دمتم وصلتم إلى الشرع، فإن هناك مدارس فقهية في الشرع، تحرّم المال الذي يقبضه الموظف العمومي من دون مقابل أو جهد، وتعتبر راتبه من أموال «السحت»، يعني بالعربي حرام! أم تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وفيكم معمّمون ودارسو فقه وشريعة! وهناك من لا يقدّم مقترحا واحدا لصالح الشعب طوال العام، وبعضهم يسافر باسم البحرين، ولكنه يختفي من المطار ولا يجده زملاؤه في الوفد مرة أخرى إلاّ في المطار قبيل ساعة من رحلة العودة للبلاد.
المشكلة ليست بيانا ضعيفا متهافتا، بل هي نفسية الاستعلاء على بقية خلق الله، فكل من حصل على منصب في هذا البلد اعتبر نفسه اللورد بوذا، وأخذ يفتي الناس من فوق مصطبته. الناس ملوا المتسلقين والمتفلسفين، هذه حقيقةٌ يعرفها الجميع، فكل من شبع تجشأ... وبدأ يحتقر بقية الجياع.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ