العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ

لماذا اختفت دعاوى التآمر؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

أقلام السوء، التي تزّين للدولة كل ما تقوم به، سواء وافق الحق أم لا، تشكّل خطرا على الناس لما يقع عليهم من مظالم وتعسُّفات. تشكّل أيضا خطرا على الدولة، لأنهم يخفون عنها أخطاءها، سواء ما تعمد القيام به بعض الأفراد من أجل الاستئثار بالثروة والاستبداد بالقرار أو ما أخطأت تقدير صحّته، ما قد يتسبب بانفجار الوضع فجأة بلا سابق إنذار، فيخلق وضعا يصعب احتواؤه.

حينما ذهبت سودة بنت عمارة إلى معاوية تشكو له ظلم واليه بسر ابن أرطأة قال لها: «لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون» (والتلمّظ: إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به شفتيه). وفي قول معاوية شهادة على أن الإمام علي (ع) قد جرأ الناس على قول كلمة الحق أمام الدولة حين كان هو نفسه على رأسها، لأن هذه الجرأة في قول الحق فيه صلاح للدولة وصلاح للناس.

والمعادلة دائما، هي عندما يُباح حق النقد والاعتراض العلني أمام الدولة، تختفي التحركات السرية التي تعمل تحت جنح الظلام.

ما الذي تغيّر حتى لم نعد نسمع الدعاوى القديمة التي كانت تطلقها وزارة الداخلية؟ الناس لم يتغيروا، ومطالبهم لم تتغير، وأيضا أكثر تلك المطالب لم تتحقق. في الماضي، بين كل سنتين تعلن الوزارة الكشف عن خلايا وأحزاب «سرية»، أما الآن فقد مضت أكثر من ست سنوات، لم نسمع مثل تلك الدعاوى.

فلو افترضنا صحة المزاعم التي كانت تعلن سابقا من المحاولات المتعددة لقلب نظام الحكم، يحق لنا أن نسأل: لماذا اختفت محاولات قلب النظام منذ أمد بعيد؟ لماذا لم تعد الدولة تدّعي الكشف عن محاولات انقلابية جديدة؟ بل لم تعبأ الدولة بتصريحات بعض الأفاكين من أقلام السوء وأصحاب الـ «هواجس» المرضية حين اتهم أحد هؤلاء أحد الرموز بأنه يقف وراء أحداث نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. فإذا افترضنا صحة الدعاوى السابقة بخصوص مزاعم محاولات قلب نظام الحكم، يمكن الزعم بأن سبب اختفائها شيء واحد فقط، وهو تغيّر نمط التعامل مع حرية الكلمة وحرية النقد والمعارضة.

بالتالي يمكن الزعم أيضا، أن تغيّر نمط التعامل مع حرية الكلمة والاعتراض قاد إلى هذه الأوضاع المطمئنة للحكم، وهذا مكسب كبير، سببه حلّ عقدة الخوف عن قلوب الناس وهم يعترضون على الحكومة وينتقدون شخصياتها منذ أن دشن عاهل البلاد مشروعه الإصلاحي، فكيف لو انسجمت الدولة مع الشعب، ورفعت توجّساتها المبنية على أوهام التآمر، والتي ينفخ فيها الباحثون عن التمّيز، والذين لا يعيشون إلا على النميمة والبهتان، وشمّرت عن سواعد الهمّة وجدّت في تحقيق مطالب الشعب العادلة، وقطعت عنها سبب كل عداوة كما نصح الإمام علي (ع) مالك الأشتر بقوله: «أطلق عن الناس عقدة كل حقد، واقطع عنك سبب كل وتر».

حينها لن تحتاج إلى جهاز أمني تعداده عشرات الآلاف يُجلبون من مختلف أصقاع الأرض لتغيير التركيبة السكانية أو لتحسب على الناس أنفاسهم فردا فردا؛ وكذلك لن تحتاج إلى متملقين ينتمون إلى جهاز الأمن، يضطرون الفيل إلى الاعتراف بأنه حمار.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً