إن لم يكن ضمان حق المواطنة كافيا لكي تتحرك الحكومة البحرينية بجدية لحلحلة ملف الثمانية العالقين في السعودية، فأي المبررات ستكون مقنعة أو كافية لمزاج الحكومة المتقلب لتتكرم على هؤلاء بالاهتمام والمتابعة. وخلاف أن يكون هؤلاء الثمانية مواطنين فلنا أن نطلب من الحكومة أن تتحرك/ تهتم لأمرهم/ تكترث بهم/ تسأل عنهم/ تستفسر عن مصيرهم/ تطمئن عليهم على اعتبار أنهم مجرد «أشياء» كانت موجودة هنا.
هذه الأشياء التي لم يكن للدولة أن تعترف بها أو أن تهتم بما يجري عليها لأسباب نجهلها، ترتبط بمواطنين لهم الحق في أن يعرفوا مصائر هذه الأشياء المرتبطة بهم والغائبة عن أعينهم، وما خلا أن يكون ذووهم مواطنين معترفا بهم، فإن للحكومة أيضا، أن تعتبرهم أشياء أخرى موجودة هنا، وقد ترتبط هذه الأشياء الموجودة في الرياض والبحرين في حلقة من حلقات الاتصال والتواصل الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي بمواطنين تعترف الدولة بهم وتقر بأن لهم تلك الحقوق التي نص عليها دستور مملكة البحرين الصادر في العام 2002. الذي يتحدث - كما قرأت وقرأ الثمانية المحتجزون وقرأ أهاليهم هنا - في الكثير من مواده ونصوصه على أن للمواطنين في هذا البلد حقوقا وأن الدولة مسئولة عن ضمانها وصيانتها، وأول هذه الحقوق سلامتهم.
لا يمكن اعتبار ردة الفعل الحكومية تجاه هؤلاء الثمانية ردة فعل طبيعية، بل هي تكريس وتأكيد وتوضيح أن المواطنين بالنسبة إلى الدول مراتب ومقامات. يستحق بعض المواطنين حين يسافرون لخارج البحرين أن تستأجر لهم السفارات السيارات الخاصة وأن تخصص لهم المرافقين وقد تزيد السفارات من كرمها أيضا، وصولا إلى أن تدفع كلف الإقامة، وثمة مواطنون آخرون - كهؤلاء الثمانية - هم تحديدا أنصاف مواطنين، أو لربما هم زيادة سكانية طارئة لا معنى لها، ولدواع إنسانية طارئة أيضا، تقرر إعطاؤهم جوازات سفر بحرينية، لكن ذلك بالتأكيد لا يعني مساواتهم ببقية المواطنين المعترف بهم.
لا أستثني وزارة من وزارات الدولة ولا جهازا من أجهزتها، ولا مؤسسة من مؤسساتها في تحمل مسئولية هذا الإهمال الذي ألقى بثمانية من أبناء هذه الأرض للمجهول، فلا خبر جاء ولا وحي نزل. ولا أقول أن على مجلس النواب - الذي هو الآخر يخضع المواطنين للتصنيفات والسياسات التمييزية العرقية والطائفية - أن يقوم بمساءلة الحكومة على صمتها تجاه مصير هؤلاء الثمانية، لكنني أقول ان على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية داخل وخارج البحرين أن تلفت لمصير ثمانية أناس غُيبوا عن أوطانهم في مصير مجهول لا يعلمه أحد، وتثاقلت حكومة وطنهم عن القيام بمهام عملها وتكاد حكايتهم أن تنسى أو أن تنتهي من ذاكرة الناس لتبقى الحرقة في قلوب عائلاتهم فقط.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ