العدد 2027 - الإثنين 24 مارس 2008م الموافق 16 ربيع الاول 1429هـ

كفر وتكفير... أين حرية التعبير؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

منذ أسبوعين تقريبا حتى الآن لم تهدأ تداعيات ما ذكره الشيخ عبدالرحمن البراك، ثم مجموعة من علماء السعودية عن مقال عبدالله بن بجاد وكذلك مقال يوسف أبا الخيل، اللذين تم نشرهما في صحيفة «الرياض» السعودية في عدديها رقم 14441 ورقم 14419.

ابن بجاد في مقاله «إسلام النص وإسلام الصراع» قرر أن كلمة لا إله إلا الله لا تقضي الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات، كما أنها لا تعني أن لا معبود بحق إلا الله.

هذا الفهم الذي توصل إليه ابن بجاد خالف كل علماء السعودية، كما خالف - أيضا - ما يدرس طلابنا في مدارسهم منذ السنة الثانية الابتدائية حتى تخرجهم من الجامعة. وأظن - وهذا أيضا ليس إثما - أنه خالف كل علماء المسلمين في العالم أجمع، وأظن - وهذا أيضا ليس إثما - أنه يعرف كل هذا ومع ذلك فقد رأى أن من حقه أن يقول ما يعتقده هو بغض النظر عمّا يعتقده الآخرون.

أما أبا الخيل، فقد أكد في مقاله «الآخر في ميزان الإسلام» أن الإسلام لا يكفّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وحرية العقيدة، وأن الإسلام لا يكفّر من لا يحاربه من الكتابيين أو أتباع العقائد الأخرى.

ما توصل إليه أبا الخيل يخالف ما توصل إليه علماء السعودية، كما يخالف المفاهيم الشرعية السائدة في المجتمع. ومع هذا فقد عبّر عن مفاهيمه كما يحب تحت مظلة حرية التعبير حتى إن كانت هذه الحرية مخالفة لكل الأعراف السائدة في المجتمع الذي نشر فيه مقاله.

المقالان أحدثا ردة فعل قوية في المجتمع السعودي؛ بسبب مخالفتهما الصارخة ما يعتقده عموم الناس في السعودية، ثم جاءت فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك في ما كتب في هذين المقالين حيث رأى الشيخ «أن من زعم أنه لا يكفر من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمد (ص) إلا من حاربه» أو زعم «أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقضي الكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفي كل دين غير دين الإسلام بما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين، فإنه يكون قد وقع في ناقض من نواقض الإسلام، فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك فإن تاب ورجع وإلا وجب قتله مرتدا عن دين الإسلام».

الشيخ البراك رأى أن من حقه أن يقول ما يعتقد أنه حق في مسألة سئل عنها، بل أرى أن من حقه - تحت بند حرية التعبير - أن يقول ما يراه حتى إن لم يُسأل، قياسا إلى حقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم.

عشرون عالما سعوديا أيدوا ما قاله الشيخ البراك وقالوا إنهم يرون رأيه في ما كتب في المقالين، وإنهم يقفون معه من دون تحفظ.

الشيخ البراك لم يقل إن ابن بجاد وأبا الخيل قد كفرا، ولم يقل إن دمهما مباح لكل أحد، وإنما قال: من قال كذا أو كذا - مما أشرت إليه سابقا، فإنه يكون «قد وقع في ناقض من نواقض الإسلام».

ما الموقف تجاه هذا الفاعل؟ بحسب كلام الشيخ يجب أن يحاكم... وهذا مطلب مشروع، ولم يقل يجب أن يقتل. والمحاكمة - إن تمت - ستكون أمام قاضٍ عادل - هكذا نعتقد - وفي مجتمعنا ألفنا أن القضاء لا يخيف إلا الظالم، وأن الذهاب إلى المحكمة شرف لكل أحد.

ثم قال الشيخ: «فإن تاب ورجع فليس عليه شيء»، هذا إذا كان قد فعل شيئا «وإلا وجب قتله مرتدا» وهذا الكلام لا يقرره الشيخ بصورة نهائية لأنه ليس قاضيا وإنما هذا اجتهاده ليس إلا، وقد يخالفه فيه القاضي ويرى شيئا آخر.

إذا... الشيخ لم يقل: إن الرجلين قد كفرا، وإن واجب أي أحد أن ينفذ فيهما حكم القتل، بل ذكر رأيه في ما سئل عنه، وهذا حقه إن لم يكن من باب إظهار الحق - كما يرى - فمن باب حرية التعبير كما أرى لأنها يجب أن تكون متاحة للجميع.

أبا الخيل فيما أعلم، كانت ردة فعله هادئة نوعا ما. فذكر أنه سيرفع دعوى قضائية ضد الشيخ، وهذا من حقه وأنا أشجعه على ذلك، والمحكمة ستنصفه من دون شك.

لكن ابن بجاد كانت ردة فعله عنيفة جدا، ربما بسبب أنه كان يعتقد أنه وصل إلى مرتبة من الاجتهاد لا يجب أن يعترضه أحد مهما كان، حتى إن كان من باب حرية التعبير التي يؤمن بها.

فقد وصف ابن بجاد في مقال كتبه في «الاتحاد» الشيخ ومن معه بأنهم يسعون لنشر الظلام، وأنهم يرتلون ألحان الكراهية، وأنهم انتهكوا معظم المحرمات، وأن أقواله نور وأقوالهم ظلام، وأن جهلهم لا يهزم علمه. وفي «العربية نت»، قال ابن بجاد إن فتاوى التكفير بحقه ليست جديدة، كما اتهم الشيخ البراك بأنه متعاطف مع «القاعدة»، وأنه لا يملك بعدا جماهيريا، وأن أكثر الناس لا يعرفونه، وحدهم المتشددون هم من يعرفه باعتباره شيخهم.

كلام كثير قاله ابن بجاد، واتهامات كثيرة وزعها على الشيخ ومن معه بما فيها تعاطفه مع «القاعدة» وأفكارها. أليست هذه الأقوال أكثر خطورة بافتراض أن هناك خطورة ما قاله الشيخ ومن معه؟ ثم إذا كان الشيخ نكرة وكذلك فتاوى التكفير ليست جديدة عليه، فلِمَ كل هذا الخوف من فتوى الشيخ؟

ثم إذا كانت فتوى الشيخ «شنشنة يعرفها من أخزم» كما قال فلِمَ يقيم لها كل هذا الوزن؟ ولم يتحدث عن خوفه من هذا أو ذاك الذين قد يقومون بتنفيذ فتوى الشيخ؟ أليست هذه الفتوى عديمة القيمة؟ هل يريد ابن بجاد أن يعطي نفسه هالة عظيمة، هالة المفكر المصلح الذي يضطهده الظلاميون ويسعون لإسكاته بكل الوسائل؟

المسألة كانت أسهل من هذا بكثير لو أراد. كان عليه أن يقول بصراحة: إن فهم الشيخ لما قلته خطأ وإن الصحة هي كذا وكذا وعندها تنتهي المسألة برمتها، ليس عند الشيخ وإنما عند كل أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. وأما أن يقول إنني أقصد ما فهمه الشيخ والآخرون وإنني أعتقد صحة ذلك، ولا يعنيني فهمكم أو أحكامكم... وهنا ليس من حقه أن يغضب من الآخرين الذين عبّروا عن رأيهم بكامل الصراحة كما فعل هو أيضا... أليست حرية الرأي للجميع كما نقول أم أنها للبعض من دون الآخر؟

ابن بجاد أكد أنه سيسير على نهجه الذي يؤمن به - ولم يقل ما هو هذا النهج - وليس مهما أن يقول، ولكن عليه أن يتوقع أن الآخرين سيسيرون على نهجهم أيضا.

ويقول: إن نهجه هو بداية الطريق لتحرير الإسلام من المتطرفين! ليته قال أي إسلام هذا الذي سيحرره؟ وما صفات المتطرفين الذين احتلوا الإسلام؟ وهل كل من اعترض عليه سيكون متطرفا؟

إذا كان الشيخ الفوزان والبراك والجبرين وآخرون لا يفهمون الإسلام فهل أنت الذي تفهمه؟ الأمر ببساطة شديدة إن من يعرض عقله على الناس عليه أن يتوقع كل شيء، فإن لم يرد فعليه أن يصمت

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2027 - الإثنين 24 مارس 2008م الموافق 16 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً