زرنا اليابان في الأسبوع الماضي بدعوة من الحكومة اليابانية. وتمثل الهدف الرئيسي للزيارة في منحنا فرصة الاطلاع على تجربة اليابان في التنمية الاقتصادية وتطبيق مبادئ الإدارة الحديثة. بالمقابل، عمدت الجهة المدعوة إلى إعداد برنامج متنوع يشمل زيارة بعض المؤسسات الرسمية والمعاهد المتخصصة والمهتمة بتطورات الأوضاع في دول مجلس التعاون الخليجي لغرض مناقشة الفرص الاستثمارية الواعدة في اقتصادات دول المنطقة في ضوء ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة.
كما شمل البرنامج إلقاء محاضرة في معهد اليابان للشئون الدولية بشأن آفاق ومستقبل صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية. ولفت نظرنا طلب الجانب الياباني أن ألقي محاضرة حول الخدمات المصرفية عموما مع التركيز على أهمية هذه الصناعة الواعدة في البحرين والعالم الإسلامي وغير الإسلامي (لاحظ تأسيس البنك الإسلامي البريطاني).
وقد تطلب الأمر القيام ببحث والجلوس مع بعض الخبراء من داخل البحرين لمعرفة بعض التفاصيل الحيوية في هذه الصناعة. وفي هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى مصرف البحرين المركزي لتقديمه بعض المعلومات الحيوية بشأن صناعة الصيرفة الإسلامية.
أرقام كبيرة
يبلغ عدد المؤسسات العاملة في مجال الخدمات المالية الإسلامية نحو 300 مؤسسة تقدم خدماتها في 75 بلدا في العالم. وتدير هذه المؤسسات المالية فيما بينها نحو 500 مليار دولار. يعد هذا الرقم المذكور كبير جدا إذ يساوي نحو ثلاثة أرباع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. والأهم من ذلك، فإن المبلغ مرشح للصعود إلى نحو تريليون دولار في السنوات القليلة المقبلة بسبب تسجيل نسبة نمو تتراوح ما بين 15 و 20 في المئة سنويا.
وأكدنا خلال المحاضرة إلى قدرة المصارف المالية الإسلامية على تحقيق أرباح متميزة. فقد حقق بيت التمويل الخليجي ربحا صافيا قدره 340 مليون دولار في العام 2007 ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 61 في المئة في غضون سنة واحدة. كما تمكن بنك البركة من تحقيق أرباح صافية قدرها 144 مليون دولار في العام 2007 مسجلا نسبة نمو قدرها 79 في المئة.
منتجات مصرفية إسلامية
كما بينا للحضور بعض المنتجات المصرفية الإسلامية من قبيل المرابحة والمضاربة والمشاركة والإيجارة والسلام والصكوك. إضافة إلى ذلك، أشرنا إلى رغبة وقدرة المؤسسات المالية الإسلامية في طرح منتجات متميزة تهدف في نهاية المطاف إلى إعمار الأرض وبالتالي كسب رضى الخالق سبحانه.
على سبيل المثال وليس الحصر، أشرنا إلى مشروع مرفأ البحرين المالي في وسط المنامة بقيادة بيت التمويل الخليجي (ومقره البحرين). يتم تشييد المشروع بقيمة مليار ونصف المليار دولار على ثلاث مراحل. وقد حالف المؤسسات الإسلامية المستثمرة الصواب في تسمية المشروع والإيحاء بأنه تابع إلى القطاع العام في البحرين. كما أشرنا إلى تنفيذ بنك (أركبيتا) لمشروع خليج البحرين بقيمة ملياري دولار. من شأن هذين المشروعين العملاقين تطوير ملامح مدينة المنامة. من جهة أخرى، هناك مشاريع أخرى يتم تنفيذها جنوب العاصمة مثل درة البحرين بقيمة ملياري دولار بقيادة بيت التمويل الكويتي.
بعض التحديات
من جهة أخرى، أشرنا في كلمتنا إلى بعض المشكلات التي تواجه صناعة الصيرفة الإسلامية من قبيل النقص في عدد علماء الشريعة الإسلامية لمجالس الإدارات المختصين في فقه المعاملات. تكمن وظيفة أصحاب الفضيلة في التأكد من أن المنتجات المزمع طرحها تتناسب ومبادئ الشريعة السمحاء. وعرفنا أثناء عملية البحث والإعداد للمحاضرة بأن العرض يفوق كثيرا الطلب للمشايخ المتخصصين في مجال فقه المعاملات. إضافة إلى ذلك، بيَّنا تحدي قلة الأدوات الإسلامية المطروحة للمدد القصيرة. بمعنى آخر، هناك سيولة ضخمة متوافرة بحاجة إلى توظيف وسوق ثانوية للتدوال. ويشكل نقص الأدوات فراغا يؤدي في نهاية المطاف إلى خروج جزء من الأموال إلى بعض الأسواق الأخرى. وربما يفسر هذا جانبا من خروج مليارات الدولارات من المؤسسات المالية الإسلامية إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
وهناك تحدٍ آخر مصدره التأكد من توافر الثروة البشرية المؤهلة للعمل في قطاع الخدمات المالية الإسلامية الأمر الذي يضر بمبدأ العرض والطلب. المشهور بأن العرض غير قابل في توفير العدد المطلوب من المؤهلين للعمل في نطاق الخدمات المالية الإسلامية. أخيرا وليس آخرا، يوجد تحد آخر مرده عدم توحيد القوانين والأطر التي تحكم المؤسسات المالية الإسلامية. صحيح بأنه تقدمت بعض المؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة في أكثر ممن بلد بمقترحات بشأن طرق رصد واحتساب بعض البيانات المالية، لكنها تبقى توصيات في نهاية المطاف.
صناعة واعدة
وقد بذلنا جهدا خلال المحاضرة في إقناع الحضور بأهمية مشاركة المؤسسات اليابانية في مجال الخدمات المالية الإسلامية نظرا للنمو منقطع النظير الذي تشهده هذه الصناعة الواعدة. وأكدنا بأن مصلحة اليابان تقتضي المشاركة في الاستفادة والمساهمة في تطوير هذا القطاع الحيوي. وبينا بشكل واضح وجلي بأن اليابان هي الخاسر الأكبر من عدم فتح أبوابها أمام الصيرفة الإسلامية في الوقت الذي تتسارع خطى بعض الدول والمؤسسات المالية الغربية في الاستفادة من الحصول على جانب من كعكة هذه الصناعة.
من جملة الأمور، ذكرنا لهم دخول بريطانيا على الخط عبر تأسيس البنك الإسلامي البريطاني في العام 2004. وتبين لنا من خلال عملية الإعداد للمحاضرة بأن أول زبون للبنك الإسلامي البريطاني لم يكن مسلما. كما تفكر السلطات البريطانية في استصدار سندات أو صكوك إسلامية. بدورها، تعمل فرنسا على استقطاب أنشطة متعلقة بالصيرفة الإسلامية مستفيدة في ذلك من تواجد جالية إسلامية في البلاد.
كما أكدنا بأن إنشاء بعض المؤسسات المالية الدولية مثل «سيتي بنك» وحدات خاصة للخدمات المالية الإسلامية يعد دليلا ملموسا على تنامي الفرص الواعدة في مجال الصيرفة الإسلامية
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2027 - الإثنين 24 مارس 2008م الموافق 16 ربيع الاول 1429هـ